أديان وفرق ومذاهبالإلحاد

الدليل العلمي على وجود الملائكة

رحلة اليقين

إذا سألك سائل: هل عندك دليل علمي على وجود الملائكة أو الجنة والنار والجِن وحياة البرزخ… أم أنك تؤمن بوجود هذا كله إيماناً دون براهين علمية؟ فكيف تجيب؟

هل ما نؤمن به من غيبيات مبني على إيمان “عاطفي”؟ أم إيمان مؤيد بالدليل العلمي؟ الإجابات في هذه الحلقة.

كنا قد بينا بالتفصيل أن العلم دائرة واسعة، والعلم الرصدي التجريبي (السينس) جزء من أجزاء هذه الدائرة فعندما أقول لك: هناك دليل علمي على وجود الملائكة، فلا تقل لي: (أين هم حتى ألمسهم أو أفحصهم مخبريا) !

وإنما علينا أن ننظر: هل الإيمان بالملائكة يقع ضمن دائرة العلم العامة أم لا.

الخطوة الثانية: كنا قدأثبتنا أن هناك عالَم غيب، عالَماً غير عالم الشهادة الذي نشهده ونرصد ما فيه، وأن من يصفون أنفسهم بأنهم ماديون اضطروا إلى تفسيرات غيبية في النهاية، لكن الفرق أنها لا دليل عليها من عقل ولا فطرة ولا حس ولا خبر، كما بينا في حلقات كثيرة الصفحة الشخصية على الفيس بوك

والماديون الذين لا يتفقون مع هذه التفسيرات لا يجيبون عن سؤال أصل الكون والحياة بل يقفون ساكتين عاجزين.

وكل هذا يدل على أنه -عملياً- الكل معترف بوجود الغيب وإن أنكر البعض بلسانه.

⦁ الخطوة الثالثة: هي تحديد أي الغيبيات تدخل في دائرة العلم؟ هناك غيبيات كثيرة مدعاة. فعلينا أن نتبع منهجا علميا لنعلم أيها يقع في دائرة العلم وأيها خرافات.

ما فعلناه حتى الآن في هذه السلسلة هو أننا أثبتنا بمنهج علمي أعظم الحقائق الغيبية: ألا وهي وجود خالق متصفٍ بصفات القدرة والعلم والحكمة.

فعلْنا ذلك من خلال منهج علمي مبني على مصادر المعرفة التي للعقل دور مركزي فيها، والذي وظف السينس في إثبات وجود الخالق وصفاته.

يأتي هنا دور مصادر المعرفة ذاتها في إدراك أن هذا الخالق لا يفعل شيئا عبثاً، بل دل خلقه على حكمته، فلا يترك الناس مهملين، بل لا بد من النبوات. ولا بد لحكمته أن تمد هؤلاء الأنبياء بما يبين صدق نبوتهم ويميزهم عن الكاذبين، فيؤيدهم بالمعجزات.

والحكم بنبوة نبي وإعجاز معجزته هو حكم عقلي يوظف مصادر المعرفة ويصل إلى هذه النتيجة العلمية في النهاية: أن هذا النبي نبي حقاً، وأن الكتاب الذي جاء به هو من عند خالق الكون والحياة حقاً. وهي إحدى المحطات المهمة القادمة في رحلة اليقين بإذن الله.

⦁ الخطوة الرابعة: بعدما نثبت أن شخصاً ما نبي الخالق حقاً، وأن كتاباً ما وحي الخالق حقاً. هذا الكتاب يتضمن أخباراً غيبية عن عالَم الغيب الذي لا نشهده، فما الموقف العلمي من هذه الأخبار؟

الموقف العلمي هو التسليم بها لأنها تكتسب حجيتها وموثوقيتها من صدق المخبر بها.

طيب ماذا إذا تعارضت هذه الاخبار الغيبية مع السينس؟ لا يمكن أن تتعارض

فهذه الأخبار الغيبية لن تخرج في علاقتها مع العلم الرصدي التجريبي عن أحد احتمالين:

⦁ الاحتمال الأول أن يكون العلم الرصدي التجريبي دالاً للعاقل على هذه الغيبيات.

⦁ والاحتمال الثاني ألا يكون دالاً ولا نافياً.

هذا التفصيل مهم إخواني ويزيل كثيراً من اللبس. البعض يقول: العلم الرصدي له علاقة بالغيب، لأ مالهوش علاقة بالغيب.

المسألة تحتاج تفصيلاً دقيقاً. السينس يدل على غيبيات، بينما لا يدل ولا ينفي غيبات أخرى، وتبقى مع ذلك مبرهنة بالدليل العلمي.

ولنأخذ مثالاً على كل من الحالتين:

⦁ عندما يخبرك الخالق من خلال وحي آمنت به بالأدلة، بالطريقة العلمية أن هناك بعثاً بعد الموت، فإن العلم الرصدي يقتضي عقلاً قدرة الخالق على ذلك.

وبهذا تفهم قول الله تعالى: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون * أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم).

هذه حجة علمية مبنية على مشاهدات السينس الرصدي، أن خالقاً نرى آثار قدرته وعظمته سيكون خلق الإنسان بعد موته أهون عليه من خلق السماوات والأرض التي نرصد عظمتها بالسينس، وأهون من خلق الإنسان أول مرة ونحن نرى بالسينس آثار العظمة في هذا الخلق.

(وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه).

(لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

نقول: مظاهر الحكمة والرحمة المرصودة في السينس تقتضي عقلا أن هذا الكون لا يمكن أن يكون عبثاً، ولا يمكن أن يُترك المحسن والمسيء دون جزاء..وبهذا تفهم قول الله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) إلى قوله تعالى (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار).

مظاهر العلم الرصدي دلت على أن هذا الكون لم يوجده الخالق عبثاً، وأنه لا بد حكمةً من جزاء، فقنا يا رب أن يكون جزاؤنا النار.

فهذه الحالة الأولى، أن يكون السينس دالاً على الغيب مؤيداً له.

الحالة الثانية أن يكون الغيب ليس مما ينفيه السينس ولا يثبته. ومثال ذلك: الملائكة. فالسينس بطبيعة تعريفه يعمل على عالم الشهادة رصداً وتجريباً.

والعقل يوظفه في الدلالة دلالة عامة على الخالق وصفاته كما ذكرنا. أما أفعال الخالق، وما يُحدِثه في عالم الغيب، فليس ضمن مجال عمل السينس.

فيبقى الدليل على الملائكة هو المنظومة المعرفية ذاتها التي أنتجت لنا السينس. الدليل هو الدليل العلمي بتعريفه الأوسع وليس السينس.

فالـScience ووجود الملائكة فرعان لأصل واحد. وليس شرطاً أن يدل أحدهما على صحة الآخر حتى نصدق به. بل يكفي أن يدل على صحتهما صحة الأساس الذي بنيا عليه.

وكما أنه من الحمق أن ننفي الملائكة بالسينس، فمن الحمق أن نحاول إثبات الملائكة بالسينس.

فالعلاقة بينهما ليست علاقة إثبات ولا نفي ولا تعارض. وليس من العلم أن نبحث عن ظواهر (لا تفسير مادي لها) لننسبها إلى الملائكة مثلاً.

وكذلك فليس منهجاً علمياً أن تستخدم هذه المنظومة المعرفية في بناء السينس، ثم ترفضها عندما تدل على وجود الملائكة


زر الذهاب إلى الأعلى