أديان وفرق ومذاهبالمسيحية

الدعوة إلى التنصير الجماعي

المقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد:

فلقد كان القرن الرابع عشر الهجري الذي انصرم منذ سنوات قلائل قرناً حافلاً بالأحداث الجسام في تاريخ الأمة المسلمة، سقطت فيه الخلافة الإسلامية، وتمزق المسلمون شذر مذر، وحُكمت معظم بلادهم – للمرة الأولى بغير الإسلام، وسقط العالم الإسلامي كله، باستثناء مواقع قليلة، في يد الهجمة الاستعمارية الصليبية، وفشت أفكار الفساد والزيغ والضلال بين قطاعات واسعة من أبناء المسلمين الذي صاروا حين آلت إليهم قيادة البلاد والعباد أشد أذى وفتكاً في محاربة الإسلام والمسلمين من المستعمر الصليبي.

ولقد شهد القرن المنصرم فيما شهد من مؤامرات أعداء الإسلام، هجمة تنصيرية عاتية سعت إلى تنصير أكبر عدد من المسلمين أو إفسادهم، أنفقت من أجلها أموال طائلة، وبذلت جهود هائلة، وأعدت خطط، وسهرت عقول، وتحركت جيوش من المنصرين للعمل في شتى بلاد المسلمين، وإن المؤتمرات التنصيرية العالمية كثيرة أوردتها الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض في الطبعة الأولى عام 1409هـ/ 1989م في الصفحة 163/ 164 على النحو التالي:-

 «مؤتمر القاهرة عام (1324هـ/ 1906م)» وقد دعا إليه زويمر بهدف عقد مؤتمر يجمع الإرساليات التبشيرية البروتستانتية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين، وقد بلغ عدد المؤتمرين (62) شخصاً بين رجال ونساء، وكان زويمر رئيساً لهم.

♦ المؤتمر التبشيري العالمي في أدنبرة باسكوتلنده عام (1328هـ/ 1910م)، وقد حضره مندوبون عن 159 جمعية تبشيرية1 في العالم.

♦ مؤتمر التبشير في لكنو بالهند عام (1339هـ/ 1911م) حضره صموئيل زويمر، وبعد انفضاض المؤتمر وزعت على الأعضاء رقاع مكتوب على أحد وجهيها (تذكار لكنو سنة 1911م) وعلى الوجه الآخر (اللهم يا من يسجد له العالم الإسلامي خمس مرات في اليوم بخشوع انظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع المسيح).

 مؤتمر بيروت عام (1911م).

مؤتمر التبشير في القدس:

  • في عام 1343هـ/ 1924م.
  • في عام 1928م مؤتمر تبشيري دولي.
  • في عام 1354هـ/ 1935م وقد كان يضم 1200 مندوب.
  • في عام 1380هـ/ 1961م.
  • مؤتمر الكنائس البروتستانتية عام 1974م في لوزان بسويسرا.

وأخطر المؤتمرات مؤتمر كولورادو في 15 أكتوبر 1978م تحت اسم (مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين) حضره (150) مشتركاً يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم، استمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق وانتهى بوضع استراتيجية بقيت سرية لخطورتها مع وضع ميزانية لهذه الخطة مقدارها 1000 مليون دولار، وقد تم جمع هذا المبلغ فعلاً وتم إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى.

 المؤتمر العالمي للتنصير الذي عقد في السويد في شهر أكتوبر 1981م تحت إشراف المجلس الفيدرالي اللوثراني الذي نوقشت فيه نتائج مؤتمري لوزان وكولورادو وخرج بدراسة مستفيضة عن التنصير لما وراء البحار بهدف التركز على دول العالم الثالث.

ومن مؤتمراتهم كذلك:

  • مؤتمر استانبول.
  • مؤتمر حلوان بمصر.
  • مؤتمر لبنان التبشيري.
  • مؤتمر بغداد التبشيري.
  • مؤتمر قسنطينة التبشيري في الجزائر وذلك قبل الاستقلال.
  • مؤتمر شيكاغو.
  • مؤتمر مدارس التبشيري في بلاد الهند، وكان ينعقد هذا المؤتمر كل عشر سنوات.
  • مؤتمر بلتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية 1942م وهو مؤتمر خطير جداً، وقد حضره من اليهود بن غوريون.
  • بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت النصرانية نظاماً جديداً إذ ينعقد مؤتمر للكنائس مرة كل ست أو سبع سنوات متنقلاً من بلد إلى آخر.
  • مؤتمر أمستردام 1948م – هولندا.
  • مؤتمر ايفانستون 1954م – أمريكا.
  • مؤتمر نيودلهي 1961م – الهند.
  • مؤتمر أوفتالا 1967م – أوفتالا بأوروبا.
  • مؤتمر جاكرتا 1975م – أندونيسيا، وقد اشترك فيه 3000 مبشر نصراني».

وعليه فإن أخطر هذه المؤتمرات على الإسلام والمسلمين مؤتمران اثنان: أولهما هو المؤتمر الذي افتتح في أوائل القرن الهجري الرابع عشر في 4/ ابريل/ 1906م بالقاهرة برئاسة القسيس زويمر والذي قام الأستاذان محب الدين الخطيب ومساعد اليافي بكشف اللثام عن مخاطره وتحذير المسلمين من منطلقاته في كتاب حمل اسم «الغارة على العالم الإسلامي» وقد ذاع وشاع وكتب له القبول حتى أصبح من أهم الوثائق التي يرجع إليها أي دارس لحركة التنصير.

ولقد تطورت الحياة بعد ذلك وبخاصة ما كان من ذلك في العصر الحديث الذي شهد تطوراً مهماً شمل جميع المجالات، فلئن كان المرء قبل بضعة عقود من السنين ينتقل من مكان إلى مكان آخر على الدابة أو بواسطة القطار الحجري فقد أصبح الآن ينتقل بواسطة الطائرة النفاثة التي تعبر القارات في بضع من الساعات، ولئن كان المرء يتجشم المشاق في سبيل إيصال رسالة إلى صديق يسكن في مدينة مجاورة لمدينته، فإن قد أصبح الآن يحادث ابنه أو صديقه الذي يسكن في قارات بعيدة عنه، بل ويرى صورته أثناء هذه المحادثة، ولئن كانت كبرى المجلات آنذاك تطبع من أعدادها بضع مئات فقد أصبحت الآن تطبع مئات الآلاف وتوزعها في جميع مدن العالم، إن العالم قد أصبح صغيراً، صغيراً جداً.

ولقد كان من الطبيعي، والحالة كذلك، أن يسعى التنصير في العالم إلى بدائل جديدة وأن يفكر المنصرون في العالم في أساليب جديدة تفتح أمامهم السبل المتنوعة والقصيرة والسريعة والجماعية في سبيل التنصير بعامة وتنصير المسلمين بخاصة، فكان لزاماً بأن يكون هناك مؤتمر جديد يتناسب في مقرراته ومنطلقاته وتوصياته مع تطور العصر وتطور الحياة، فكان ثانيهما: أي ثاني هذه المؤتمرات خطورة، وهو المؤتمر الذي عقد في أواخر القرن الهجري الرابع عشر في مدينة كولورادو الأمريكية، وهو الذي تعرضت له هذه الدراسة بالكشف عن آفاقه واستراتيجيته الخطرة.

إن المؤتمرين الذين التقوا في كولورادو هم من كبار العاملين في حقل التنصير، وإن معظمهم من أصحاب الاختصاصات العلمية العالية وبخاصة في العلوم الإنسانية، وإن هؤلاء قد عكسوا كل خبراتهم التنصيرية، وكل خبراتهم العلمية في أبحاثهم التي قدموا فيها عصارة مهمة لهذا المؤتمر الذي أُعِدَّ خصيصاً لمناقشة السبل الكفيلة بتنصير المسلمين في العالم أجمع.

ولهذا المؤتمر قصة لابد من إيرادها حتى يكون القارئ على بينةٍ من طبيعة الموضوع الذي سيكون موضع دراسة في هذا الكتاب:

ففي عام 1974م انعقد مؤتمر لوزان من أجل التنصير، وقد أوصى هذا المؤتمر أن تتجه جهود التنصير إلى المسلمين، وكان أن صدر قرار لوزان بأن يكون هذا المؤتمر المقترح القادم مؤتمراً عملياً تنفيذياً يغير سياسة التنصير ووجهته.

ثم إن لجنة التنصير العالمي في لوزان بسويسرا قد تسلمت اقتراحاً لعقد مؤتمر باسم مؤتمر تنصير المسلمين في العالم وأن يعقد هذا المؤتمر في أمريكا الشمالية، وقد تبنى هذا الاقتراح بيتر واجنر عضو معهد فوكر للتنصير العالمي، وقام بتقديمه المبشر دون ماكري الذي كان آنذاك أحد الطلاب في ذلك المعهد، وقد وافقت لجنة لوزان على تبني عقد المؤتمر بالتعاون مع منظمة التصور العالمي، على أن يكون ذلك في خريف عام 1978م وبالتحديد في 15/ 10/ 1978م، وقد تولى المركز العالمي للأبحاث والتنصير بكاليفورنيا عبء تقديم التمويل والمكاتب والأشخاص اللازمين للإعداد للمؤتمر.

وكانت هذه أول مرة في التاريخ يجتمع فيها هذا العدد الكبير الذي يمثل مختلف الدوائر والهيئات والمناصب التنصيرية في العالم والتي يجمعها هدف واحد هو (كيف السبيل لتنصير المسلمين أينما كانوا)؟.

ومن خلال المداولات والمناقشات برزت الحاجة الماسة لإقامة مركز يكون معهداً للبحوث والتدريب على تنصير المسلمين، ويكون هذا المركز بمثابة جهاز عصبي ينبه إلى كل ما هو ضروري في هذا الصدد، وقد أنشئ هذا المعهد بالفعل، وسمي باسم (معهد صموئيل زويمر) وذلك في شمال كاليفورنيا، وقد اختير (دون ماكري) ليكون مديراً له.

إن هذا المؤتمر قد انتهى بعد أن شحن المنصرين بضرورة العمل على تنصير الـ(720) مليوناً من المسلمين، ولقد كان عدد الذين وفدوا إلى هذا المؤتمر (150) مؤتـِمراً هم من أبرز قادة التنصير في العالم، وقد وفدوا من شتى أنحاء المعمورة ليمثلوا العديد من الشعوب والتقاليد الكنسية المختلفة والتجارب الواسعة، ولقد قدموا (40) موضوعاً، كل موضوع منها من الأهمية بمكان.

وإن القارئ لتلك الأبحاث ليشعر في كثير من الأحيان بروح علمية تسيطر على أبحاث بعض المحاضرين والباحثين، وتراهم يحاولون إخضاع المقاييس العلمية لتكون في خدمة التنصير كأدوات جديدة في هذا السبيل.

ولأهمية هذه الموضوعات ولخطورتها على الإسلام والمسلمين فإن المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية قد عمد إلى ترجمة النص الإنجليزي إلى اللغة العربية ليضعه بين أيدي القراء والمهتمين من المسلمين حتى يضعهم في الصورة وليكونوا على بينةٍ من الأمور التي تحاك لهم وتبيت ضدهم، ثم ليعرفوا السبيل لإنقاذ دينهم وأنفسهم وإخوانهم، وليقدموا الخطط الحديثة والبديلة، والمكافئة والمناسبة، والتي بإمكانها ليس فقط المحافظة على المسلمين والدفاع عنهم ضد هجمات المنصرين، بل نشر الإسلام في ربوع الأرض بما فيهم النصارى أنفسهم لأن الإسلام دين الله، دين العالم أجمعين.

أما عن عملي في هذا الكتاب، فقد كان لي أن اطلعت على نصوص المحاضرات التي ألقيت في هذا المؤتمر، وراجعتها، ودققت النظر فيها، وهي تقع في أكثر من ألف صفحة، استنبطت منها أهم النصوص، وأبرز العبارات، وأخطر الآراء التي طرحت فيه، متوخياً جمع الأفكار التي اشترك في طرحها وتبنيها عدد من المحاضرين، والتي كانت محل اتفاق أو شبه اتفاق بين المؤتمرين، والتي تمثل في مجموعها العمود الفقري لهذا المؤتمر الخطير، ثم عمدتُ إلى هذه النصوص، فقرنت المثيل إلى مثيله، والنظير إلى نظيره، وجعلت ذلك في أبحاث، ثم أخذت أربط بينها، محللاً أفكارها، مناقشاً أبعادها، معرفاً ببعضها، كاشفاً أخطارها، إلى أن استوى لي هذا العمل على النحو الذي اشتمل عليه هذا الكتاب.

ورغبة في تعريف المسلمين والمهتمين والقادرين بهذا الخطر الجسيم والبلاء العميم فقد عرضتُ على القائمين على مجلة المجتمع الكويتية نشره في مجلتهم الغراء، فسرعان ما وافقوا، وقاموا – مشكورين – بنشره كاملاً، وعلى حلقات متعددة، ابتداء من العدد 919 بتاريخ 3/ ذو القعدة/ 1409هـ الموافق 6/ يونيو، حزيران/ 1989م، وقد كانت موضوعاته محل استحسان وموضع اهتمام.

وإنني إذ أضع هذا الكتيب بين أيدي الإخوة القراء الكرام أدعو الله أن يكتب له القبول، لا لذاته، بل لخطورة مضمونه، عسى أن تتضافر الجهود من أجل عمل شيء مهم، يكافئ، ويوازي، ويتغلب على هجمة التنصير الشرسة التي تبناها القائمون على أعلى مؤسسات التنصير في العالم وأقواها والتي يهدفون من خلالها إلى تنصير جميع المسلمين في العالم، لا قدر الله.

إن أعداءنا يخططون، ويعملون، ويبذلون، لكن لنا في تأييد الله، ونصره، وعونه، ومن ثم لنا في شباب الأمة المسلمة ورجالاتها المخلصين ما يحبط هذا الكيد ويرده ويجعله على المنصرين بدلاً من أن يكون لهم. ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

وبعد… فلئن أصبت فمن الله الفضل والتوفيق والمنة، وإن كانت الأخرى فلي في عفو أحبابنا وتسديدهم أمل كبير.

والله من وراء القصد.

والحمدلله رب العالمين.

المبحث الأول

الدعوة إلى التنصير الجماعي

إن التنصير في يوم من الأيام قد حقق كثيراً من أهدافه وفق الإمكانات المتاحة التي كان يمتلكها في وقت من الأوقات، ولكن لابد للمرء من مراجعة حساباته بين وقت وآخر فينظر إلى الوراء ويستفيد من خبراته وتجاربه، فيستمر، أو يعدل عن طريقته إلى طريقة أخرى أنسب وأفضل، وإن التنصير في تلك الأيام قد قام بدوره، ولكن هل من المناسب أن يستمر المنصرون في أساليبهم القديمة نفسها، إن أي عاقل يرفض هذا المبدأ داعياً إلى تحديث الطرق والوسائل والأساليب، مكتشفاً عيوب أساليبه السابقة، واقفاً على أخطائه التي عرقلت مسيرته أو أخرتها أو أضرت بها.

وإن المنصرين في هذا المؤتمر قد وجدوا في أساليبهم القديمة ضعفاً وعجزاً وقصوراً، يقول آرثر. ف. كلاسر في هذا المؤتمر نقلاً عن الترجمة العربية لوقائع مؤتمر كولورادو، ما يلي:

(إن التصريحات التي كان يطلقها المنصرون الأوائل مثل زويمر كافية لأن تخلق رد فعل قوياً لدى المسلم حتى يستعصي على التنصير).

وهذا ما حدث بالفعل، فإن لزويمر كلمة مشهورة طالما اعتمد عليها المسلمون في إظهار التنصير على حقيقته وذلك عندما ألقى كلمته المشهورة أثناء انعقاد مؤتمر القدس التبشيري عام 1935م رداً على ما أبداه المنصرون من روح اليأس التي كانت مخيمة على المؤتمرين إذ قال آنذاك:

(… إني أقركم على أن الذين أُدخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين، لقد كانوا كما قلتم أحد ثلاثة، إما صغير لم يكن له من أهله من يعرِّفه ما هو الإسلام، وإما رجل مستخف بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته وقد اشتد به الفقر وعزت عليه لقمة العيش، وإما آخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية، ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد الإسلامية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، ولذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام).

ثم يتابع قائلاً: (… إنكم أعددتم نشئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي فقد جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، يجود بكل شيء، وقد انتهيتم إلى خير النتائج وباركتكم المسيحية ورضي عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الله)2.

فإن هذه العبارة تمثل الأسلوب القديم للتنصير، والتي كانت كافية لخلق رد فعل قوي لدى المسلم حتى يستعصي على التنصير، ذلك الأسلوب الذي ثار عليه المؤتمرون في كولورادو داعين إلى أساليب ووسائل جديدة حديثة تتفق وروح العصر، وإن من أبرز الأساليب الجديدة في حركة التنصير الحديثة هي تلك الأساليب التي ركز عليها مؤتمر كولورادو والمتمثلة في الدعوة إلى التنصير الجماعي، هذه الدعوة نراها من خلال التحليلات التالية:

أولاً: لقد تنبه المؤتمرون إلى ضرورة وجود ظروف خاصة تدعو إلى التحول الجماعي فأولوها اهتمامهم وعنايتهم مشيرين إلى ضرورة وجود ظروف خاصة تدعو إلى هذا التحول، وقد عبر عن ذلك صراحة ديفيد. أ. فريزر في بحثه الذي قدمه بعنوان (تطبيق مقياس اينكل في عملية تنصير المسلمين) ففي الصفحة 242 يقول:

(ولكي يكون تحول فلا بد من وجود أزمات معينة ومشكلات وعوامل إعداد وتهيئة تدفع الناس أفراداً وجماعات خارج حالة التوازن التي اعتادوها، وقد تأتي هذه الأمور على شكل عوامل طبيعية كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية مثل التفرقة العنصرية أو الحساسية بسبب تسامح المجتمع تجاه النفاق، أو الوضع الاجتماعي المتدني، وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية، وتوضح الدراسة التي قام بها إيفري ديليس عن أندونيسيا أهمية فهم العوامل الخلفية الاجتماعية الثقافية لتفسير أسباب تحول كثير من مسلمي هذا البلد إلى النصرانية بين عامي 1965 – 1971م).

وكذلك فإن ديفيد.أ. فريزر نفسه في بحثه الآنف الذكر يقول في الصفحة 235 ما يلي:

(ولا غرابة في أن تحول مجموعات كبيرة إلى النصرانية تم تحت تأثير ظروف تحولات اجتماعية وثقافية رئيسية حيث كان المتحولون في أكثر الأحوال من تلك الطبقات التي شعرت أنها محرومة بشكل كبير، والاستراتيجيات الفعالة التي تسعى لإحداث قرارات هامة يلزمها البحث عن تلك الأجزاء ضمن المجتمعات الإسلامية التي يكون مستوى السخط فيها قد بلغ ذروته، أي بين الطبقات الاجتماعية والعرقية… الخ).

إن من الأساليب القديمة التي كان يتبعها المنصرون عملية التنصير الفردي بمعنى أن يتصل المنصر بالشخص الذي يريد تنصيره ويحاول اجتذابه بكافة الوسائل والسبل من أجل إدخاله في حظيرة النصرانية، لكنهم وجدوا بأن هذه الطريقة عقيمة وقليلة الجدوى، بل وربما كانت مضرة بالتنصير وذلك لسببين:-

  1. لأنها طريقة بطيئة جداً لا تتناسب مع روح التطور العصري السريع كما أنها لا تتناسب كذلك مع اتساع رقعة العمل الفسيحة أمامهم.
  2. لأن هذه الطريقة تؤدي إلى اقتلاع الفرد من بيئته ومجتمعه مما يجعله مشلول الإرادة، منبوذاً من قومه، كما أنه يصبح عبئاً على الكنيسة التي نصّرته، فضلاً عن أنه لن يستطيع التأثير على من حوله ذلك التأثير المطلوب والمرغوب فيه.

لذا فإنهم أخذوا يدعون إلى ضرورة التنصير الجماعي والذي يعني نقل مجموعات بشرية متكاملة (قبيلة مثلاً، أو مدينة…) نقلها من الإسلام إلى النصرانية، مما يقلل من تلك السلبيات إذ يصبح الأفراد بمجموعهم نصارى، وعندها لن يشعر الفرد المتنصر بأنه منبوذ ولا مضطهد ولا مطارد، لأنهم كلهم قد أصبحوا في بوتقة واحدة، وقد وردت عدة إشارات داخل محاضر المؤتمر تشير إلى ضرورة هذا الاتجاه، وهي توضح الطرق والأساليب التي تحقق هذا التحول الجماعي، ومن ذلك ثمة ملاحظات يقف عندها المرء مستخلصاً لها من بين سطور كلمات ديفيد فريزر الآنفة الذكر، فهم لا يستطيعون ممارسة التنصير في الجو العادي، بل لابد لهم من إحداث هزة في حياة الناس، لابد لهم من إخراج الناس عن حالة توازنهم واستقرارهم بمصيبة ما من المصائب كالجوع، أو الحروب أو الكوارث… لذا فهم يسعون إلى إحلال هذا الاضطراب حتى تسنح لهم الفرصة لأن يتدخلوا بسهولة ويسر، عن طريق الإسعاف، والإغاثة، والإعانة… وما إلى ذلك من الأساليب والوسائل الجماعية، ولنا أن نقف عند بعض فقرات هذه الأقوال تحليلاً وتوضيحاً:

(لابد من وجود أزمات معينة ومشكلات وعوامل إعداد وتهيئة تدفع الناس أفراداً وجماعات خارج حالة التوازن).

فقوله: (أفراداً وجماعات): أي زرافات ووحداناً، أي كلهم يقبلون سواءً بطريقة فردية أم بطريقة جماعية على أن يكون ذلك الإقبال إقبالاً عاماً، وليس المقصود مطلقاً (أفراداً) أي بشكل فردي فإن التنصير الفردي غير مرغوب فيه وهذا ما سنلمسه من خلال نصوصهم في هذا المؤتمر.

قوله: (أزمات ومشكلات وعوامل إعداد وتهيئة): أي صعوبات يقع فيها الناس فيتلفتون حولهم فلا يجدون إلا اليد النصرانية (الحانية) تضمد جراحهم، وترد لهفتهم، وتواسي نكباتهم، وتهدهد على مشاعرهم المضطرمة، هنا يصبح الإنسان مديناً لهم فيخضع وينقاد.

وقديماً قالوا: (إن الإنسان عبد الإحسان) تأسره الكلمة والموقف والعون.

قوله: (وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية) إذن هم يريدون تحولات كبيرة، تحولات تشبع نهمهم وتسد جوعهم، أما التحولات الفردية الصغيرة فليست في البال ولا في الحسبان فيما نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» رجلاً واحداً، فيه الخير الكثير، وكل على قدر استطاعته دون استهانة بهذا القليل.

إنهم يحرصون على كونها تحولات كبيرة، لذا فإنهم يعدون لها عوامل التهيئة المناسبة والكافية، ولعل الحروب الأفغانية خير مثال على ذلك فإن الشعب الأفغاني كان في حالة توازن نوعاً ما، مرتاحاً في بلده، آمناً في دينه، لكن التدخل الروسي قد أحدث هذه الحالة من فقدان التوازن، وانطلق الملايين هائمين في الأرض يضربون في التيه، وبشكل جماعي، وهنا جاء أصحاب الوكالات العالمية، وأكثرهم من النصارى، يقدمون الخدمة الإنسانية بيد، ويدعون الناس إلى النصرانية باليد الأخرى، هذه بتلك وإلا فالموت والتشرد والضياع، ولا ملجأ إلا الدخول في النصرانية التي تقدم لمن يستجيب كل ألوان المساعدات المادية والنفسية والروحية.

أما الدراسة التي قام بها إيفري ديليس عن أندونيسيا والتي استشهد بها الكاتب فقد فسرت له أسباب تحول (كثير) من مسلمي هذا البلد إلى النصرانية، وذلك إبان التمرد الشيوعي في البلاد حيث دبت الفوضى وعمت القلاقل وأصبحت البيئة مهيأة للتنصير الجماعي، إنهم يريدون تحول الكثير، أما الأفراد القلائل فلا، لقد حدث ذلك بسبب المعاناة الاجتماعية التي مر بها الشعب الأندونيسي في تلك الفترة، ووجدت النصرانية الميدان فيسحاً لقطف الثمار. إن عليهم إذن أن يستفيدوا من الأزمات الموجودة، وعليهم استغلالها أفضل استغلال، وإن لم تكن موجودة فما عليهم إلا السعي لإيجادها، إنهم يضعون تحت المجهر بلداً من البلدان، ويقولون: يلاحظ في هذا البلد ضعف في التقدم التنصيري، إنه بلد آمن مطمئن مقتنع بما عنده، ولن يلتفت إليكم.. إذن أوقدوا له فتنة، حرباً، جوعاً، انقلابات،… الخ ثم شمروا عن سواعد الجد لجني الحصاد.

ثانياً: جاء في موضوع ديفيد. أ. فريزر وعنوانه (تطبيق مقياس اينكل في عملية تنصير المسلمين) في الصفحة 243 ما يلي:-

(فمن الناحية الإيجابية يطلب من كل فرد أن يكون نصرانياً، وهذا ما أفرزته الكاثوليكية في أوجها في فترة العصور الوسطى، ومن المعلوم أن هذه النظرة تبرز مشكلة النصارى (الاسميين) أو (العدديين) أما من الناحية السلبية حيث لا تشجع العقوبات الثقافية الاجتماعية الدخول في النصرانية فيمكننا أن نضع معظم البيئات الإسلامية، ومن مؤشرات مثل هذه البيئة السلبية أن الدعوة إلى المسيح لا تجد استجابة إلا من الأشخاص الهامشيين أو المنحرفين الذين ينتمون إلى القطاعات الفقيرة نسبياً في المجتمع الإسلامي، وفي الأماكن التي يحدث فيها هذا تصبح النصرانية ديناً هداماً ومنبوذاً اجتماعياً كما تفشل في التغلغل بين أفراد غالبية المجتمع، والمسلم العادي يجد تأكيداً لاعتقاده أن النصرانية جسم غريب ينبغي مقاومته، أما لمسلم الذي يتحول إلى النصرانية فيشعر بالحرج وبالإهانة، ويفقد الدعم والانتماء العائلي والنبذ الاجتماعي، إذ يفقد التفاعل الحيوي مع مجتمعه، ويصبح عالة على المجتمع النصراني المدعوم من الخارج، سواءً أكان ذلك في مجال العمل أم الزواج، ومن ثم يفصل تدريجياً عن المجتمع المسلم).

ويلاحظ على هذا القول المطول ما يلي:-

  1. انتقادهم أسلوب التجميع الكمي ودعوتهم إلى التجميع النوعي، فهم لا يريدون أولئك النصارى الاسميين أو العدديين إذ إنه أسلوب قديم.
  2. معظم البيئات الإسلامية تضع عقوبات تمنع المرء من التحول عن الإسلام إلى النصرانية ومن ذلك عقوبة (المرتد) أو عقوبة النبذ الاجتماعي على أقل تقدير.
  3. الدعوة إلى النصرانية في البيئات الإسلامية لا يستجيب لها إلا المنبوذون اجتماعياً، مما يجعلها مباءة لأولئك الفاشلين اجتماعياً، وهذا يحول النصرانية لأن تكون في نظر الناس هدامة.
  4. هذا الوضع الهدام الفاشل يؤكد على ضرورة مقاومة النصرانية.
  5. فشل النصرانية حينئذ، في التغلغل الاجتماعي المطلوب.
  6. المسلم المتنصر ينبذ اجتماعياً ويفقد انتماءه الاجتماعي والعائلي ويصبح عالة على المجتمع النصراني.
  7. إن المجتمع النصراني قد دعا هذا المسلم إلى النصرانية ليكون تكأة يتكئون عليه فإذا به يتكئ هو على المجتمع الجديد، ويزيد في أحماله وأثقاله بدلاً من أن يكون عوناً لهم.
  8. إنهم يرون خطأ هذا الطريق الفردي، ولا بد من انتهاج طريق أفضل، طريق جماعي يخلصهم من كل تلك السلبيات.

ثالثاً: ثم يقول ديفيد. أ. فريزر بعد ذلك في الصفحة ذاتها:

(أما المؤشر الثاني فهو أن واضعي استراتيجيات التنصير سوف يقومون بالبحث عن والتركيز على المناطق التي تكون أوضاع المسلمين فيها مشجعة على التحول إلى النصرانية والتي يقلل فيها الترابط الجماعي وحدة العقوبة الاجتماعية) ويضرب مثلاً على ذلك (المهاجرون الأتراك في ألمانيا الغربية أو المجتمعات التي تمر بمراحل تحول) وفي هذا القول ما يلي:-

  1.  البحث عن المجتمعات الإسلامية التي يقل فيها الترابط الجماعي وبالتالي تقل العقوبة الاجتماعية لمن يريد أن يتمرد على قانون الجماعة ويتصرف بحرية فردية، فالمسلمون الأتراك في ألمانيا الغربية كثر، وكثير منهم قد انغمس في الحياة الغربية وملاهيها، وتحت شعار الحرية الذي يتمتع به الأوربي فإن الفرد يجد نفسه حراً في الانتقال من الإسلام إلى النصرانية دون أن تنـزل به عقوبات جماعية (ويبقى هذا الأمر صحيحاً ولكن في حدود ضيقة دون إطلاق، ذلك لأن المسلم مهما تفلت فإنه من النادر أن ينخلع نهائياً متخلياً عن مجتمعه الإسلامي).
  2.  يلاحظ أيضاً أن (البحث عن والتركيز على المناطق التي تكون أوضاع المسلمين فيها مشجعة على التحول إلى النصرانية) إذن فهم يدرسون ويلاحظون، إنهم يضعون مجاهرهم على جسد الأمة الإسلامية عسى أن يقفوا على زاوية فيها ضعف أو وهن، عندها يجدون بغيتهم، وعندها تحط غربانهم لتنهش من هذا الجزء المتعب المثقل، وهذا يدعونا لأن نفتح عيوننا وآذاننا ونلاحظ أية ثغرة في العالم الإسلامي فنحاول سد خللها حتى لا تكون باباً يدخل منه هؤلاء الذين يصطادون في المياه الموحلة.
  3.  إنهم لا يستطيعون مهاجمة المسلمين في وهج الشمس لأنها تحرقهم، ولأنهم ضعفاء في حقهم، ولأن الإسلام قوي في حقه، فهم يذوبون تحت شمسه وألقه، لذا فإنهم يفتشون عن أولئك الذين ضعف فيهم الوازع الديني، وأولئك الذين قلت بينهم وحدة العقوبة الاجتماعية، وأولئك الذين أهلكهم الفقر والمرض والتشرد، وأولئك الذين طحنتهم الحروب ولانقلابات، هنا يكون موضعهم، وهنا يكون دورهم، ولئن كنا مسلمين بحق فتشنا نحن عن ذلك الخلل في بيتنا الإسلامي وحاولنا سد العجز الذي فيه حتى لا ندع لهم إلينا سبيلاً.
  4.  إن إنشاء مدارس إسلامية بين الأتراك المهاجرين إلى ألمانيا الغربية مثلاً، ودعم المؤسسات الإسلامية، واستقبال الطلاب الوافدين للتعلم في البلاد الإسلامية، كل ذلك يرفع من معنويات هؤلاء المهاجرين ويشعرهم بأن لهم سنداً إسلامياَ يواسيهم ويشد من أزرهم.

رابعاً: وقد جاء في التعليق على محاضرة ديفيد. أ. فريزر الآنفة الذكر في الصفحة 256 ما يلي:-

(عبر بعض القراء عن قلقهم حيال الأدلة التي تشير إلى أن الأفراد الهامشيين في المجتمع هم الذين يكون لديهم استعداد للإيمان بالنصرانية، وأن الناس الهامشيين وهم في الغالب المنحرفون سلوكياً لا يمكن أن  يكونوا قادة قادرين على التأثير على مجموعة لتبدأ التفكير بالمسيح، وفي نفس الوقت اتفق الجميع على أن سياسة التنصير القائمة على أسلوب اقتلاع الأفراد من هنا وهناك قد برهنت على عدم جدواها ويجب العمل على اقتلاع مجموعة كاملة في وقت واحد) ويلاحظ على هذا القول ما يلي:

  1.  قوله: (إن الناس الهامشيين في المجتمع هم الذين يكون لديهم استعداد للإيمان بالنصرانية) وذلك يعني أن هؤلاء الهامشيين هم في حالة عدم توازن لعدم اهتمام المجتمع بهم وتخليه عنهم، فهم بالتالي يبحثون عن أسلوب يثبتون من خلاله ذواتهم مبرهنين فيه عن أهمية وجودهم.
  2.  لكن هؤلاء الناس غير مرغوب فيهم لأمور هي:
    • أ‌. لأنهم في الغالب منحرفون سلوكياً لعدم وقوعهم تحت سلطة الجماعة صاحبة الأمر والنهي، وصاحبة السيادة والمراقبة والمحاسبة.
    • ب‌. لأنهم لن يكونوا قادرين على أن يكونوا قياديين مؤثرين على من حولهم فهم في الأصل هامشيون لا يأبه لهم أحد.
  3.  إنهم لا يريدون إلا الأفراد القادرين الذين يقدرون على التأثير على (مجموعة) أي على أعداد تتزايد تزايداً هندسياً، صحيح أن هذا الفرد قد يؤثر على فرد آخر أو أفراد قلائل آخرين، لكن ذلك ليس هو المطلوب، إنهم يريدون مجموعات مجموعات ليكون التزايد متناسباً مع حجم الرغبة التنصيرية الجامحة.
  4. (اتفق الجميع على أن سياسة التنصير القائمة على أسلوب اقتلاع الأفراد من هنا وهناك قد برهنت على عدم جدواها، ويجب العمل على اقتلاع مجموعة كاملة في وقت واحد) نعم إنها حسبة تجارية، إنها عدم الجدوى، إنهم يطمحون إلى تنصير ملايين المسلمين فكيف يصلون إلى ذلك إذا كان التنصير سيقوم على تنصيرهم واحداً واحداً؟! إن كان ذلك غير مجد، والجدوى تكمن في استقطاب الأشخاص القياديين، وكذلك تكمن في استقطاب المسلمين مجموعات مجموعات.

خامساً: وجاء كذلك في محاضرة دون. م. ماكري والتي موضوعها (تحليل المقاومة والاستجابة لدى الشعوب المسلمة) في الصفحة 267 ما يلي:-

(وفي أندونيسيا حيث انتشر الكتاب المقدس فعلاً من خلال هذه الوحدات الثقافية نجد أن مجتمعات بأكملها قد تنصرت في وقت واحد ويقال إنه في أحد الأماكن تم تحويل (25) مسجداً إلى كنائس).

هذا القول مجرد قول يحتمل الصحة ويحتمل غير ذلك، كما يحتمل التهويل والتضخيم، ولكنه على كل حال محتمل الوقوع، فنحن لا ننكر إمكان حدوثه، لكن ذلك – إن صح – يجب أن يخلق فينا روح اليقظة ويدعونا إلى الاستفاقة، إذ كيف يتم ذلك ونحن عن أفاعليهم لاهون، وهل هناك أصعب أو أشد من ردة هؤلاء، إنهم آثمون بلا شك، لكننا نحن – المسلمين – نتحمل قسطاً وافراً من هذا الإثم لأننا لم نقف سداً منيعاً أمام هذا الغزو الديني والفكري والثقافي ولم نلفت الانتباه إلى أخوة الدين للمحافظة عليها من عبث المنصرين وغيرهم.

سادساً: جاء في ص267 جواباً عن سؤال يطرحه دون. م. ماكري في موضوعه (تحليل الاستجابة والمقاومة لدى المسلمين):

والسؤال هو: أي المسلمين نتعامل معهم؟ يجيب هو عن نفسه قائلاً: (هي تلك المجموعات المتجانسة ثقافياً من المسلمين والتي تظهر استعداداً لتقبل الدعوة، وهذا يعني أن علينا أن نبدأ بتدقيق النظر داخل الإطار الإسلامي العام بحثاً عن الوحدات الفرعية في البلد الواحد، وأن نسعى لتفادي أخطار العمل على اقتلاع الأفراد من مجتمعاتهم، فالمؤكد أن الناس يكونون أكثر استعداداً لتقبل الكتاب المقدس عندما يقدم إليهم بطريقة مناسبة لا تتعارض مع ثقافتهم وعندما يكون بإمكانهم التفاعل معه داخل مجتمعهم) ويلاحظ على هذا التعقيب ما يلي:-

  1.  (التفتيش عن المجموعات المتجانسة ثقافياً): وهذا يؤكد الاتجاه نحو المجموعات.
  2.  (البحث عن الوحدات الفرعية في البلد الواحد): يريدون وحدات وحدات لا أفراداً أو أشخاصاً، وهم يريدونها وحدات، لكنها فرعية حتى يسهل استقطابها، إذ إن هذه الوحدة الفرعية تكون ضعيفة، وبالتالي تكون في حالة عدم توازن، فهي بذلك تحتاج إلى تأكيد ذاتها، وإثبات وجودها، مما يدعوها للموافقة على الإغراء النصراني بالتنصير والدعم والتأييد.
  3.  (تفادي أخطار العمل على اقتلاع الأفراد من مجتمعاتهم) تأكيد لما سبق، ولأن الفرد حينئذ لن يكون مؤثراً على مجتمعه، بل سيكون عالة على الكنيسة التي نصَّرته.
  4.  (وعندما يكون بإمكانهم التفاعل معه داخل مجتمعهم) فهم يريدون تنصيرهم لا استنقاذاً لهم ولكن ليكونوا أداة في جذب مجتمعهم إلى حظيرة النصرانية جذباً جماعياً، إن مدلول كلمة التفاعل معه (أي مع الكتاب المقدس) (داخل مجتمعهم) تعني كل ذلك، وتعني بأن يكونوا أداة إفساد جماعي نشط.
  5.  وردت فيه عبارة (علينا أن نبدأ بتدقيق النظر داخل الإطار الإسلامي العام بحثاً عن الوحدات الفرعية في البلد الواحد) إنهم يدققون النظر، إنهم يدرسون، يدرسون كل صغيرة وكل كبيرة في مجتمعاتنا الإسلامية، ويسلطون الأضواء عليها، ويعرفون مواضع الاتفاق ومكامن الاختلاف بغية الاستفادة من كل ذلك عندما يبحثون عن (الوحدات الفرعية في البلد الواحد) إنهم لا ينطلقون من فراغ، إنهم ينطلقون من دراسة وتمحيص وتدقيق ومعلومات مسبقة، هؤلاء أتباع الشيخ الفلاني، هؤلاء سياسيون، هؤلاء متطرفون، هؤلاء متزمتون، وهؤلاء أقلية، وهكذا دون أن تفوتهم أية ملاحظة دقيقة في هذا السبيل.

سابعاً: جاء في محاضرة بعنوان (منطلقات لاهوتية جديدة في عملية تنصير المسلمين) الذي قدمه بروس جي نيكولس في الصفحة 215 ما يلي:

(قد لا يكون المسلم المعاصر مبالياً بعقيدته الدينية، لكنه يريد أن يظل مسلماً لأسباب حضارية وثقافية، إن تغيير ديانته قد يعني عزل نفسه عن أسرته وعن المجتمع الإسلامي ككل، وعليه فإن الرد النصراني على الدعوة يجب أن يكون ثقافياً بالإضافة إلى كونه دينياً إذا ما أردنا أن يكون النصراني فعالاً وأن نقيم كنائس جديدة) ويشتمل هذا القول على أمور منها ما يلي:

  1.  (المسلم لن يترك دينه لأسباب حضارية وثقافية) إذن يجب أن يوجدوا له البديل الحضاري والثقافي حتى يستطيع التخلي عن دينه القديم والالتحاق بدين جديد، وهذا البديل الثقافي لن يكون بأن يلتحق بالآخرين فرداً، إذ يشعر بالغربة بينهم، بل يجب أن يكون الانتقال جماعياً حتى ينتقل معهم انتقالاً ثقافياً جماعياً لا غربة فيه.
  2.  (إن تغيير ديانته قد يعني عزل نفسه عن أسرته وعن المجتمع الإسلامي ككل) إنهم لا يريدون هذا العزل، وعليه فلم يبق أمامهم إلا النقلة الجماعية المنشودة أي انتقال الفرد ضمن وحدته التي ينتمي إليها، بل انتقال الوحدة بكاملها إلى النصرانية وهنا سيكون العامل الثقافي والإرث الحضاري الذي يحمله سيكون مصحوباً معه دون شعور بالغربة والوحدة والوحشية.

وقوله: (وأن نقيم كنائس جديدة) يعني أن يقيموا كنائس تتناسب مع كل قوم بحسب ثقافتهم وإرثهم الحضاري الذي يحملونه، دون قسرهم على الدخول في النصرانية من خلال الكنائس الغربية التي قدم منها هؤلاء المنصرون، وهذا الموضوع سيزداد إنارة عندما نتحدث عن تزلفهم لكسب المسلمين ووسائلهم الجديدة في التنصير.

  1. التبشير: مصطلح أطلقه المنصرون على عملهم، والأفضل استخدام مصطلح التنصير. ↩︎
  2. جذور البلاء: عبدالله التل – صفحة 275 – ط2 – 1398هـ/ 1978م – المكتب الإسلامي ببيروت ودمشق. ↩︎
المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى