أديان وفرق ومذاهبالصوفية

البدع الصوفية والطرقية في الأحكام الشرعية في تشييع الجنازة لدى العائلات الجزائرية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبارك وسلم تسليمًا.

إن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة غير ناقصة ولا مبتورة، ولا يشوبها شيء ولا عيب؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((تركْتُ فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا من بعدي أبدًا…….)).

وقال الإمام مالك رحمة الله عليه: “كلٌّ يُؤْخَذُ من كلامه ويُرَدُّ عليه إلا صاحبَ هذا القبر الشريف”.

واليوم ونحن نعيش في بلدنا الجزائر، والحمد لله على نعمة الإسلام التي مَنَّ بها الله عز وجل على هذا البلد وأهله، لكن بعض الأمور أُحْدِثَت وأُلْحِقَتْ بعقيدتنا الصحيحة عقيدةِ السلف الصالح، من أمور بدعية أحدثها أئمة الصوفية والطرقية، وأصبحت راسخة في بعض العبادات والأحكام الشرعية لدى عموم الأسر الجزائرية إلا من رحم الله عز وجل، وأصبحت تتوارثها الأجيال أبًا عن جدٍّ، فيما يُسَمَّى بالأعراف الجزائرية، ونظرًا لأهمية الموضوع ومدى ارتباطه بالعقيدة التي بفضل الله فهمناها فَهمًا صحيحًا، وجعلناها منهاجنا على طريقة السلف الصالح، كما قُيِّض لها رجال مخلصون من علماء وأئمة وطلبة علم، فمن واجبنا – نحن السلفيين السنيين – أن نُصَحِّح المفاهيم ونُبَيِّن الأخطاء، ونحارب البدع، وندعو الناس إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثر سلف الأمة، ألا وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نسأل الله السداد والتثبيت والتوفيق.

أما موضوعي فهو حول البدع الصوفية والطرقية في الأحكام الجنائزية لدى العائلات الجزائرية، وانتهجت في هذا الأمر تبيينَ الحكم الشرعي في تشييع الجنازة والبدعة المحدثة فيها.

الإسراع في تجهيز الميت:

لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبَس بين ظهرانَيْ أهلِهِ))؛ رواه أبوداود من حديث الحصين بن وَحْوَحٍ الأنصاري.

وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه: “كرامة الميت تعجيله”؛ المغني.

وهذا دليل واضح يبينه الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام على تجهيز الميت والإسراع في دفنه.

والبدعة التي يفعلها الجاهلون اليوم عندنا هي ترك الميت يومًا وليلة كاملة، وربما يومين؛ بحجة أن له أهلاً وأبناءً مغتربين وبعيدين في المسافة، لا بد من حضورهم لدفن الميت؛ فالحكم عندهم للأعراف.

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بصوتٍ ولا نار))؛ رواه أبوداود.

وفي الموطأ (530) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: “أجْمِرُوا ثيابي إذا مِتُّ، ثم حنِّطُوني، ولا تَذْرُوا على كَفَنِي حِناطًا، ولا تتبَعُونِي بنارٍ))، وروي أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال يحيى: ((سمعتُ مالكًا يكره ذلك))؛ من كتاب العجالة في شرح الرسالة.

هذا الأمر يدل أنه عند خروج الميت من المنزل لا تتبَعُه أصوات ولا نارٌ.

ومن البدع في مجتمعنا أنك تجد الميت مسجًّى على فراشه، ومجموعة من النسوة يُحِطْن به يُدَنْدِنَّ عليه بالنياحة وأنواع الصياح، والعياذ بالله، حتى إن هناك بعض النسوة – هداهن الله – مختصّات فقط بهذا الأمر، ويَرَيْنَهُ من الأمور الواجبة، وفي بعض الأحيان تسمع الزغاريد، وأما البدعة الأخرى التي أقرّها الطرقيون فهي قراءة ما يسمى عندهم بقصيدة البردة للبوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم عند اتِّبَاع الجنازة، ولا تكاد تخلو الجنازة من رفع الأصوات بالذكر والتهليل والتكبير جماعيًّا.

المشي وراء الجنازة أفضل:

روى أبوداود والترمذي وغيرهما عن ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة وهو في الموطأ526 نحوه مرسلاً، وهنا تبَيَّنَّا فضيلة المشي وراء الجنازة من ركوب في السيارات وهذه السنة هجرها كثير من الناس اليوم وأصبحوا يقلدون النصارى واليهود في هذا الأمر إلا من رحم ربك، نسأل الله العافية.

الدعاء للميت:

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: ((استغفروا لأخيكم، وسَلُوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأَل))؛ رواه أبو داود.

أما البدعة في هذا الأمر فهي أنه حينما ينتهي الإمام ومن معه من الصلاة على الميت وأثناء وضعه في القبر، يركن الإمام ومن معه من بعض الشيوخ إلى مكان ما، ويبدؤون في قراءة ما يسمى الورد من القرآن إلى حين الانتهاء من الدفن، ثم يرفع الإمام يديه وكل المشيعين للجنازة، ويبدأ بالتأبين والدعاء ويختمها بقراءة الفاتحة، وهذا الفعل أحدثه الصوفية والطرقية وأصحاب الزوايا منذ زمان بعيد.

التعزية:

• قال الشيخ صالح بن فوزان عبدالله الفوزان حفظه الله تعالى، في كتاب الملخص الفقهي:

وتُسَنُّ تعزية المصاب بالميت وحثُّه على الصبر والدعاء للميت؛ لِمَا رَوَى ابن ماجه، وإسناده ثقات، عن عمرو بن حزم مرفوعًا: ((ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حُلَل الكرامة يوم القيامة)).

ويستحب أن يُعَدَّ لأهل الميت طعامٌ يُبعَث به إليهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((اصنعوا لآل جعفرٍ طعامًا؛ فقد جاءهم ما يَشْغَلُهم))؛ رواه أحمد وحسَّنه.

أما البدعة في مجتمعنا فهي أن أهل الميت هم من يُعِدُّون الطعامَ، ويُحضِرون الولائم بأنواع المآكل والمشارب، وتمتد إلى أيام، والبدعة أيضًا التي أُحْدِثَتْ هي ما يعرف (بالسبوع) أي اليوم السابع من وفاة الميت يُعِدُّون وليمة أخرى، ويدعون إليها الأهل والأقارب وإمام المسجد، ويقرؤون القرآن في تلك الليلة، ونفس الأمر عندما يمر أربعون يومًا، أو ما يسمّيه البِدْعيون الأربعين، أو التأبينية أو الأربعينية، وتختم في كل ليلة قراءة القرآن على الميت مقابل مبالغ مالية تعطى للمقرئين، وفي بعض المناطق تسمى صدقة الميت، والله أعلم إن كان هذا الميت صلى في حياته أم لا؟ نسأل الله العافية في ديننا.

زيارة الميت صبيحة اليوم التالي لدفنه:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها))؛ رواه مسلم والترمذي، وفي رواية أخرى: ((إنها تُذَكِّرُكم الموتَ)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله زائرات القبور))؛ أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والبدعة في هذا الأمر هي زيارة أهل الميت رجالاً ونساءً صبيحةَ اليوم التالي لدفنه قبل طلوع الشمس، يجتمعون حول قبره، ويبدأ البكاء والعويل وصب الماء على جميع القبر ظنًّا منهم أن هذا يُخَفِّف عنه العذاب، كما يطفئ الماءُ النارَ، نبرأ إلى الله من هذه البدعة، وآخرون يقومون بغرس الشجيرات والورود في وسط القبر، اتِّباعًا للنصارى واليهود، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

البناء على القبور:

قال الشيخ الفوزان: ويحرم البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها لقول جابر: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصَّص القبرُ، وأن يُقعَد عليه، وأن يُبنى عليه))؛ رواه مسلم، وروى مسلم والترمذي عن أبي وائل أن عليًّا قال لأبي هياج الأسدي: “ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسول الله، لا تدع قبرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيْتَه ولا تمثالاً إلاَّ طَمَسْتَه)).

أما بدعة الصوفية والطرقية في هذا الصدد فحَدِّثْ ولا حرج، فيتفاخرون ببناء القباب والأضرحة، ويسمون أصحابها بأولياء الله الصالحين، ورسَّخوا هذه البدعة عندنا في الجزائر لدى عامة العائلات بزيارتها، والدعاء عند من يسمونهم سيدي الشيخ الجيلاني والتيجاني والعيساوي والعلاني والفلاني، فسلك طريقهم أغلبية المجتمع بنهج طريقتهم في بناء قبور أمواتهم وأصبحوا يتفننون في الأشكال الهندسية، حتى تجد بعض القبور وكأنها قصور مبنية بأنواع الرخام، وفن الكتابات، وغرس الورود، فسلكوا بعملهم هذا وبدعتهم الضالة مسلكَ اليهود والنصارى، واليوم أصبحت مقابرنا – وخاصة منها التي تتوسط المدن الكبرى – مزارًا في يوم أو يومين في الأسبوع وخاصة يوم الجمعة قبل الصلاة، للرجال والنساء والكبار والصغار وكأنها حدائق تسلية، غير مراعين للميت حرمته، ولا يعرفون حتى الدعاء المشهور لزيارة الموتى، المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي ختام قولي فما عساي إلا أن أقول: لقد تعمَّقَت البدعة وطُبع على قلوب العباد من أصحاب الضلالة والأهواء والجهال بأحكام دينهم، إلا من رحم ربنا سبحانه وتعالى، وأسأل الواحد الصمد أن يُبَصِّرنا في ديننا، ويُعِينَنا على طاعته واجتناب معاصيه، ونصرة سنّة نبيّه واقتفاء آثار صحابته الأبرار، ويجنبنا الزيغ والبدعة والضلال، ويهدي عامة المسلمين، ويجعل هذا الموضوع سببًا من أسباب الهداية لإخواني، وأسأله أن يُبَصِّرني بعيوبي، والحمد لله رب العالمين.

المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى