البخاريَُ رَوَى أنَّ النَّبيَّ ﷺ أراد الانتحارَ مِن على رأس جَبَل!
(46) زعم البحيري: أنَّ البخاريَّ رَوَى أنَّ النَّبيّ ﷺ أراد الانتحار مِن على رأس جَبَل.
– الرَّدّ: هذه شُبهة مُثارة مِن قديمٍ، والرُّدُود عليها مشهورة عند الجميع، ومُجملُ الرَّدِّ في الآتي:
أولًا: هذه الرِّواية ليست على «شَرْط البُخاري»، إنَّما ذكرها «البُخاري» بلاغًا بدون إسناد مُتَّصِل، فهي من بلاغات «الزُّهرِيّ»، وهي رِواية وَاهِيَة ضعيفة لا تَصِحّ، ولم يُصحِّحها لا «البُخاري» ولا أحد مِن العُلماء، ورُبَّما أوردها «البُخاري» ليُشِير إلى عَدَم صِحَّتِها.
ثانيًا: البحيري نفسه يقول إنَّ الرَّاوي غير موجود، كما أنَّ اسم «صحيح البُخاري» يدُلّ على عَدَم اعتماد «البُخاري» للرِّواية، واسم كتابه هو: «الجامع المُسند الصَّحيح المُختصر مِن أُمُور رسول الله ﷺ وسُنَنِه وأيَّامه».
ثالثًا: ذكر الشيخ «الألباني» – رحمه الله – في معرض الرَّد على أحدهم:
[ونَسْتَنْتِج ممَّا سَبَق أنَّ لهذه الزِّيادة علَّتين:
الأولى: تفرُّد مَعْمَر بها دون يونس وعقيل، فهي شاذة.
الأخرى: أنَّها ُمرسلة مُعْضَلَة، فإنَّ القائل: (فيما بلغنا) إنَّما هو الزُّهريّ كما هو ظاهر مِن السِّياق، وبذلك جزم الحافظ في (الفتح) (12 / 302) وقال: «وهو من بَلَاغات الزُّهري وليس موصولاً».
قلتُ – الألباني -: وهذا ممَّا غفل عنه الدكتور أو جهله، فَظَنَّ أنَّ كُلَّ حَرْفٍ في «صحيح البخاري» هو على شَرْطِهِ في الصِّحَّة، وَلَعَلَّهُ لا يُفرِّق بين الحديث المُسند فيه والمُعلَّق، كما لم يُفرِّقْ بين الحديث الموصول فيه والحديث المُرسَلِ الذي جاء فيه عرضًا كحديث عائشة هذا الذي جاءت في آخره هذه الزِّيادة المُرْسَلَة. واعلم أنَّ هذه الزِّيادة لم تأتِ من طريق موصولة يُحْتَجُّ بها، كما بينته في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) برقم (4858)، وأشرت إلى ذلك في التَّعليق على (مُختصري لصحيح البخاري) (1 / 5) يسَّر اللهُ تمام طبعه.]1. اهـ
وبناءً على هذا، يتَّضِح أنَّه ليس لأيّ أحدٍ أن يفهم كلام المُصنِّفين في كُتُبهم على هواه، إنَّما ينبغي ألَّا يبتعد عن شُرُوط المُصنِّفين في كُتُبهم، والله أعلم.
([1]) انظر: «دفاع عن الحديث النبوي والسيرة = الألباني» ص (41).