لماذا يفشل كثير من الزواجات؟
لماذا كثيرا ما ينقلب الزواج إلى نكسة نفسية لا تجد فيه المرأة توقعاتها؟
كيف ننظر إلى الزواج بشكل خاطئ أصلا، ظاهرة الهروب من النفس إلى الزواج
بماذا ننصح كلا من الشاب والشابة قبل الإقدام على الزواج؟
حتى لا تستمر المأساة وتنشأ البيوت على أساس خاطئ، تابعوا الإجابات في هذه الحلقة
عندما نقول للأنثى: (لا تهربي من إصلاح ذاتك وتزكية نفسك إلى البحث عنها في أجواء الدراسة الجامعية والعمل فإن الذي يتبادر إلى ذهنها أننا نقول لها: (يا أختي اتستتي، تزوجي، واقعدي في البيت، ديري بالك على زوجك وأولادك والله يعطيك العافية)… لا ثم لا…بل كما لم ننصحك بالهروب من مواجهة نفسك وإصلاحها إلى الجامعة والعمل، فنحن أيضاً لا ننصحك بالهروب منها إلى الزواج.
التي تزوجت أعطيناها وسنعطيها مفاتيح لنجاحها كزوجة ومربية بإذن الله.
أما التي لم تتزوج بعد، والتي لم تحقق النجاح في المستوى الأول الأساسي الذي تكلمنا عنه، في علاقتها مع الله وعلاقتها مع نفسها، فكثيراً ما يكون زواجها هروباً وإخلالاً بالأولويات وبحثاً عن الذات بطريقة خاطئة أيضاً كما قلنا عن الخروج للدراسة والعمل المهني دون تحقيق النجاح في الأساسيات.
وبالمناسبة، فمفهوم العلاقة مع النفس مشحون بمعانٍ كبيرة لا يدرك السامع أبعادها وأهميتها عادة مع أنها الأخطر والأهم. لذا فحتى لا يبقى الكلام عاماً سنوصيكم في ختام هذه الحلقة بخارطة طريق لتزكية النفس من خلال قراءات ومقاطع نافعة بإذن الله.
الأنثى المهملة لتزكية نفسها، والتي نجحت المنظومة العولمية في شحنها عاطفياً بخيالات الرومانسية الهوليوودية، والتي أُقنعت أنها يجب أن تكون غير مطمئنة ولا سعيدة ما لم تلبِّ هذه الشحنة العاطفية، لأنها لا تأنس بنفسها ولا بعلاقتها بربها، فإنها في أحسن أحوالها ستنظر للزواج على أنه المتنفَّس “الشرعي” لشحنتها العاطفية، وأنها ستحقق به سعادتها.
فتدخل على الزواج بهذه النفسية وبهذه التوقعات العالية المضخمة غير الواقعية، وتنتظر من شريك حياتها أن يملأ فراغ نفسها بمثل ما رأته من الرومانسيات التمثيلية، وأن يستمر الحال على ذلك.
بينما الحقيقة أن الزواج ليس كذلك حتى وإن كان سوِيَّاً ناجحاً، وحتى إن بدأ بفترة من متعة العلاقة الجديدة، فإنه لا بد بعد ذلك من الاعتياد والدخول في عجلة الحياة الأسرية ومتطلباتها ومسؤولياتها. فما بالكم بمجتمعاتنا التي تعيش واقعا سياسيا واقتصاديا صعبا لا يستطيع الزوج أن ينفك عنه بالكلية. لكن تبقى في الزواج الناجح علاقة المودة والرحمة.
لكن الأنثى التي لم تنجح في الأساسيات تدخل بفراغ نفسي وتوقعات عالية غير واقعية، توقعات شحنَتْها بها الصورة الإعلامية الكاذبة المخادعة للعلاقات غير الشرعية، بينما أريناكم واقع هذه العلاقات في الغرب في حلقة البوكس الرومانسي.
فلا تجد الأنثى ما توقعته من الزواج، بل وتجد فيه مسؤولياتٍ لم توطن نفسها على تحملها، فيصبح الزواج نكسة لها وعبئاً وتبحث عن مهرب…مهرب إلى ساحة “تحقيق الذات” بالطريقة الرأسمالية والعولمية، أو إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فتبحث عن ذاتها الضائعة مع الجماهير وتعليقاتهم وإعجاباتهم، وتنتظر منهم مديحاً وثناءً يلامس شيئا من عاطفتها التي لم تجد إشباعها في الزواج ! ولربما إن قل ورعها أكثر من ذلك تبحث عن ذاتها الضائعة عند المدير في العمل أو زميل العمل أو الدراسة… فهربت من نفسها إلى الزواج، ثم ها هي تهرب من نفسها وزواجها إلى إكمال الدراسة أو المهنة أو وسائل التواصل أو العلاقات غير المنضبطة. وإذا أنجبت أنجبت أبناءً مضعضعين نفسياً ضائعين مثلها !
الزواج استجابة لدوافع فطرية غريزية أوجدها الله لاستمرار الحياة، لكن هذه الدوافع تم تأجيجها بطريقة مشوهة لدى الشباب والفتيات فولَّدت لديهم مشاكل نفسية وتوتراً حتى أصبحت الدوافع الغريزية في نظرهم “مشكلة” حلها في زواج ! فيتوقعان أن تحصل معجزة بالزواج وتحل مشاكلهما هذه ! حتى أصبحت هذه ثقافة مجتمعية كما نسمع من الآباء والأمهات الذين يعولون على أن ينصلح ابنهم بعد الزواج تحت شعار (لما يتزوج بيعقل)! بينما الذي يحصل عادة هو أن كلاً من الطرفين غير المؤهل نفسياً يعوق الآخر وهو يتوقع منه أن يحييه.
الزواج ليس مهرباً مقبولاً من إصلاح الذات، ولا مصحة نفسية ! ولا تفريغاً لشحنة مشوهة، ولا حلا لمشكلة مصطنعة، ولا تحقيقاً لرومانسيات واهمة.
الزواج نعمة يمتن الله بها علينا، سكينة ومودة ورحمة، ونواة الأُسرة، الحصن الأساس للأمة أمام أعدائها. لكن حتى يكون كذلك نحتاج أن نطيع ربنا في الإقبال على هذا الزواج والاستعداد له. بينما كثير من شبابنا وفتياتنا يهملون ذلك كله بل وتبلغ غفلتهم عن الله ذروتها ليلة حفل الزواج بما يمارسونه من ممارسات هي بمثابة الإعلان عن دخول الزواج مع الفشل في الأساسيات من حسن العلاقة مع الله. ثم ينتظرون بعد ذلك حياة سعيدة بل وبالغة السعادة والرومانسية !
قبل الزواج تحتاجين أن تزكي نفسك وتطلبي العلم النافع وتَصِلي إلى حد من الطمأنينة وإصلاح العلاقة مع النفس ومع الله، ووضوح الأهداف وترتيب الأولويات التي ذكرناها في الحلقة السابقة. تحتاجين هذه النفس المرتاحة المطمئنة لتكوني راضية مستقلة نفسياً وعاطفياً حتى وإن لم يقدر لك أن تتزوجي، وتحتاجين هذه النفس إذا تزوجتِ لترجعي إليها وتعبئي وقوداً وتعودي لتنفقي منه على الزوج والأولاد، وكذلك الزوج يحتاج أن يعمل على هذا كله. بحيث يكون الزواج جزءاً من تحقيق الأهداف الصحيحة التي حددتماها ضمن مشوار العبودية لله تعالى بمفهومها الشامل.
لكن نريد أن تتوجه الأنظار وبقوة إلى تزكية النفس بفهمها ومعرفة نقاط ضعفها وأمراضها القلبية وأسباب توترها وشقائها ثم حملها على الخير والتخلص مما يؤذيها من الطبائع السلبية، أن يبدأ مشوار هذه التزكية قبل الزواج وأن يكون الحد الأدنى منها متطلبا لا يقل أهمية عن وجود عمل للشاب المتقدم.عرض عناصر أقل