الآيات الأولى من سورة الرُّوم تُفيد بإيمان النَّصارى!
(17) زعم البحيري: أنَّ الآيات الأولى من سورة الرُّوم تُفيد بإيمان النَّصارى؛ لأنَّ المُسلمين حزنوا لهزيمتهم من الفُرْس.
– الرَّدّ: على تِلْك الشُّبْهَة الهَشَّة في نِقاطٍ سريعةٍ كالتَّالي:
أوَّلًا: نُريد منك نصًّا قاطعًا أنَّ المُسلمين آنذاك حزنوا لهزيمة الرُّوم لأنَّهم أهل كتاب، فكما دائمًا تقول لنا أريد آية بكذا، فكذلك نحن نُريد منك آية تقول بأنَّ المُسلمين حزنوا آنذاك لأنَّ هؤلاء أهل كتاب، وإلَّا ضع لسانك في فيك واصمت.
ثانيًا: إذا حزن المُسلمون على الرُّوم لأنَّهم ليسوا كُفَّارًا، فكذلك المُفترض أن يحزنوا على الفُرْس لأنَّهم ليسوا كفارًا وِفْق قاعدتك التي استنبطها بذهنك البائس من قول الله – عزَّ وجلَّ -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17]، وإلَّا فلا تستدلّ بهذه الآية على إيمان أهل الكتاب.
ثالثًا: قوله تعالى {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4] معناه: يوم يفرح المؤمنون بنصرهم على المُشركين، وذلك لأنَّ غَلَبَة الرُّوم كانت يوم غَلَبَة المُسلمين مُشركي مكة ببدرٍ كما قال أهل التَّاريخ، ولو كان المُراد ما ذكروه من فرح المؤمنين بنصر الرُّوم لما صحَّ، لأنَّ في ذلك اليوم بعينه لم يصل إليهم الخبر، فلا يكون فرحهم يومئذٍ، بل الفرح يحصل بعده.
رابعًا: وعلى افتراض أنَّ المسلمين حزنوا على هزيمة الرُّوم لأنَّهم أهل كتاب – وهذا قال به بعض المُفسِّرين -، فهذا لا يدُلّ من قريبٍ ولا مِن بعيدٍ على أنَّ أهل الكتاب هؤلاء ليسوا كُفَّارً، أرأيتَ لو أنَّ لكَ جارًا ملحدًا يتودَّد إليك ويخدمك ودائمًا يُثني عليك، قد ضربه وغلبه ملحدٌ غريب، فهل حُزنُك على جارك المُلحد يدُلّ على أنَّه ليس بكافرٍ؟ طبعاً كلَّا.
بل لو أنَّ جارك المُلحد الذي يخدمك، هزمه وغلبه نصراني من أهل الكتاب، وحزنتَ أنتَ على جارك، فهل هذا يعني أن النَّصراني هو الكافر والمُلحد لا! فافهم هداك الله.
خامسًا: وعلى افتراض أنَّ المُسلمين حزنوا على هزيمة الرُّوم لأنَّهم أهل كتاب، فهذا في مُقابلة فرح المُشركين بنصر الفُرْس وهزيمة الرُّوم، وهذا فيه مُخالفة لأهل الكُفْر، إضافة إلى إغاظة المُشركين آنذاك.
سادسًا: وعلى افتراض أنَّ المُسلمين حزنوا على هزيمة الرُّوم لأنهم أهلُ كِتاب، فهذا لا يدُلّ على رِضاهم عن عقيدتهم، وإلَّا فلماذا قاتلوهم كما في غزوة تبوك ومؤتة وغيرهما. وسبق مثال الجار المُلحد.