اعْتِمادُ الصُّوفيةِ على المَناماتِ في التَّشْرِيع
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
مصدر التلقي في التشريع عند أهل السُّنة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وأما الصوفية: يزعمون أن مصدر الوحي هو الكشف المزعوم للأولياء، والمنامات ولقاء الأموات السابقين والخَضِر عليه السلام، بل وبالنظر في اللوح المحفوظ، والأخذ عن الجن الذين يُسمُّونهم بالروحانيين، فتشريعاتهم تقوم على المنامات، والجن، والأموات، والشيوخ، كلُّ هؤلاء مُشرِّعون، ولذلك تعدَّدت طُرُقُ التصوف وتشريعاته، بل قالوا: الطُّرق الى الله بِعَدَدِ أنفاس الخلائق، فلكلِّ شيخٍ طريقةٌ ومنهجٌ للتربية، وذِكْرٌ مخصوص، وشعائرُ مخصوصة، وعباراتٌ مخصوصة، ولذا فالتصوف آلاف الأديان والعقائد والشرائع، وكلُّها باسم التصوف، وهذا هو الفارق الأساس بين الإسلام والتصوف، فالإسلام دينٌ مُحدَّد العقائد، مُحدَّد العبارات، مُحدَّد الشرائع، والتصوف دينٌ لا حدودَ ولا تعاريفَ له في عقائد أو شرائع1.
فالصوفية بِطُرُقِها وشيوخِها وشياطينِها إنما تعدَّدت مذاهبُها وتنوَّعت فِرَقُها، ومن ثَمَّ تعدَّدت شرائعُها وطُرُقُ عبادتِها حسب كلِّ شيخٍ وشيطان، فصدق فيهم قولُ اللهِ تعالى: ﴿ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112]، فوحيُهم الشياطين، وشريعتُهم شيطانية، وعبادتُهم شيطانية؛ لا سيما غلاة الصوفية الذين ذبحوا لغير الله، وسجدوا لغير الله، وأهدوا لغير الله، ودعوا غيرَ الله، فماذا بقي من الشرك إذاً ليحكم عليهم به.
ومن أعظم المفاسد في جعل المنامات مصدراً للتشريع: انتشار الشرك والبدع، وأنواع من الكبائر والموبقات، قال الشاطبي – في معرض حديثه عن بدع الصوفية: أنهم (قَوْمٌ اسْتَنَدُوا فِي أَخْذِ الأعْمَالِ إِلَى الْمَنَامَاتِ، وَأَقْبَلُوا وَأَعْرَضُوا بِسَبَبِهَا، فَيَقُولُونَ: “رَأَيْنَا فُلانًا الرَّجُلَ الصَّالِحَ، فَقَالَ لَنَا: اتْرُكُوا كَذَا، وَاعْمَلُوا كَذَا”. وَيَتَّفِقُ هَذَا كَثِيرًا لِلْمُتَرَسِّمِينَ بِرَسْمِ التَّصَوُّفِ، وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: “رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ؛ فَقَالَ لِي كَذَا، وَأَمَرَنِي بِكَذَا”. فَيَعْمَلُ بِهَا وَيَتْرُكُ بِهَا؛ مُعْرِضًا عَنِ الْحُدُودِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ. وَهُوَ خَطَأٌ؛ لأنَّ الرُّؤْيَا مِنْ غَيْرِ الأنْبِيَاءِ لا يُحْكَمُ بِهَا شَرْعًا عَلَى حَالٍ؛ إِلاَّ أَنْ تُعْرَضَ عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا مِنَ الأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ سَوَّغَتْهَا عُمِلَ بِمُقْتَضَاهَا، وَإِلاَّ وَجَبَ تَرْكُهَا، وَالإعْرَاضُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا فَائِدَتُهَا: الْبِشَارَةُ والنِّذَارَةُ خَاصَّةً، وَأَمَّا اسْتِفَادَةُ الأحْكَامِ مِنها فَلا)2.
ومن أجل اعتماد الصوفية على المنامات في التشريع: بُنيَت الأضرحة، وأُقيمت الموالد بطريقة واحدة، وربما أتى صاحبُ الضريح – في المنام – إلى كبير القوم فيأمره أنْ يبني ضريحاً ويُقيم مولداً، فإذا تقاعس قليلاً جاءه مرة أخرى وصفَعَه على خدَّيه وأنَّبَه على تقصيره، فيسرع في تنفيذ الأمر، وهو لا يدري أنه لم يَرَ إلاَّ شيطاناً تمثَّل له في صورة صاحب الضريح3.
ولا أعلم أيَّ عقلٍ هذا الذي يُسَوِّغ أنْ يتَّخذ من المنامات والرؤى مصدراً للتشريع، وهل كان الإسلامُ ناقصاً ليحتاج إلى منامٍ ليكمله؟! إنما وقع المُتصوفة فيما وقعوا فيه؛ بسبب هجرهِم للسنة النبوية وعدمِ معرفتهم بها.