شبهات عقائديةشبهات وردود

ادعاء بشرية الإسلام وإنكار ربانيته

إن هناك ما يشبه الإجماع لدى المستشرقين – قديمهم وحديثهم – على أن الإسلام دين بشري، اخترعه محمد، ولفقه من مصادر كثيرة، على رأسها اليهودية والنصرانية، ثم غيرهما من المصادر كالتقاليد التي كانت سائدة في عصره بالجزيرة العربية، وبعض الديانات القديمة.

وممن يجتر هذا الباطل – على سبيل المثال – المستشرق الهولندي “رينهارت دوزي” المتوفى عام 1883، في كتابه “تاريخ الإسلام”، والمستشرق “فون كريمر” المتوفى عام 1889م، في كتابه “تاريخ الأفكار السائدة في الإسلام”1، وكذلك المستشرق الألماني “جريمة” في كتابه “محمد”، الذي أخرجه سنة 1904م2، والمستشرق الألماني “ولهلم رودلف” في كتابه “صلة القرآن باليهودية والمسيحية”3، والمستشرق “جرونيباوم” في كتابه “حضارة الإسلام”4، والمستشرق الفرنسي “مكسيم رودنسون” في كتابه “محمد”5، وكثيرون غيرهم ساء ظنهم في الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام.

ولا ريب في أن أولئك المستشرقين على اختلاف طوائفهم، لو كان لديهم قليل من الإنصاف والتجرد للحق، لما وقعوا في هذا الإفك، ولكن أنى لهم الإنصاف والعدل، وهم – في جملتهم – مستأجَرون لمحاربة الإسلام، والصد عن سبيل الله، وابتغائها عِوجاً.

ما المانع من أن يكون الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وحياً إلهياً؟!!

وبداية نقول للمستشرقين كلمة بخصوص نفيهم ربانية الإسلام، وإنكارهم أن يكون الله تعالى قد أوحى به إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهي:

إن كنتم تنكرون من حيث المبدأ أن يوحي الله إلى عبد من عباده بدين وشريعة، ولهذا أنكرتم كون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلهية؛ فإن هذا ينسحب على رسالة موسى وعيسى عليهما السلام، وعليه فليست اليهودية ولا النصرانية بشيء، وينبغي عليكم أن تنكروا على موسى وعيسى عليهما السلام ما تنكرونه على محمد صلى الله عليه وسلم من أن يكون دينه إلهياً.

وأما إن كنت تؤمنون بمبدأ الوحي, وتعتقدون أن الله تعالى يمكن أن يوحي إلى من يشاء من عباده بالدين والشرائع، ويُكلفه بالرسالة والنبوة، كما أوحى إلى موسى وعيسى عليهما السلام؛ فليس يوجد أي مانع من أن يكون ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وحياً من عند الله؟!

وإلا فما الذي يمنع من أن يُرسل الله رسولاً عربياً بالرسالة الخاتمة، والشريعة الإلهية التامة الكاملة؟!

قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75].

لماذا تجيزون أن يوحي الله برسالة إلى نوح، وإبراهيم، وداود، وسليمان، وأيوب، وموسى، وعيسى، وتمنعون أن يوحي الله برسالة الإسلام الخاتمة إلى محمد عليه الصلاة والسلام؟!

إن الذي أوحى إلى الأنبياء السابقين، هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بالدين، وصدق الله القائل: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [النساء: 163].

وهل العقل يمنع من أني كون محمد صلى الله عليه وسلم نبيا مرسلا من رب العالمين بدين إلهي، شأنه في هذا شأن بقية إخوانه من الرسل، المذكورين في العهد القديم، مثل موسى وعيسى وإبراهيم؟

وهل يجحدون ربانية الإسلام لأنه جاء على يد نبي عربي، وليس أوربيا؟

ألا يعلم المستشرقون أن أولئك الرسل السابقين كان أكثرهم في المنطقة العربية؟

لقد كان إبراهيم في العراق، وجاء إلى فلسطين، ثم إلى مصر، وموسى ولد وبعث في مصر، وعيسى ولد في ” بيت لحم” من فلسطين، وصالح، وعاد وشعيب، كانوا في الجزيرة العربية، وسفينة نوح قد رسَت على الجودي، وهو جبل بالعراق على حدود تركيا الآن، ويوسف كان في مصر، ويونس كان في “نينوى” من بلاد العراق، بالإضافة إلى أن الفتية أهل الكهف، كانوا في منطقة الأردن، وأصحاب الأخدود كانوا في نجران.

إن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت خاتمة الحلقات في سلسة الوحي الإلهي إلى الخليقة، الذي ابتدأ منذ آدم صلى الله عليه وسلم، وقد بشر الأنبياء السابقون برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].

وفي “الكتاب المقدس” الذي يؤمن اليهود بالعهد القديم منه، ويؤمن النصارى بعهديه القديم والجديد؛ بشارات عديدة برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كشف عنها العلماء، ويمكن الرجوع إليها مفصلة في كتب مقارنة الأديان6.

تخبط المستشرقين في ذكر مصادر الإسلام – المزعومة -:

هذا؛ ويُغرب المستشرقون ويتخبطون في الافتراضات والتخرصات التي يحاولون بها إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى بدينه من التراث اليهودي والتراث النصراني وغيرهما، ولهم في ذلك تخمينات لا ينقضي منها العجب، حتى إن بعضهم – في كثير من الأحيان – ليهدم ما افترضه البعض الآخر.

“وأقوال هؤلاء القوم تضطرب اضطراباً واسعاً، فبينما يعزو بعضهم علم محمد صلى الله عليه وسلم إلى فكر سياسي محض؛ يرى آخرون أن فكرة التوحيد ملكت عليه كل مشاعره، فنفى من اليهودية والمسيحية كل فكر يخالفها، وبينما يرى” درمنجيم “الفرنسي أن “بحيرا” الراهب هو مصدر هذه الفكر ومثاره في ذهن محمد، يتخذ “وات” من قصة بحيرا هذا مثار سخرية، ويرى أنها من عمل الرواة الإسلاميين، ويجاري “جرمنجيم” من مستشرقي الإنجليز” رودويل” و”مرجليوث” و”بل” و”جيوم”، وبعض هؤلاء توسع في افتراضاته حتى أبدى كل مسيحي أو يهودي أو طارئ على مكة والمدينة من ذوي الثقافة والدرس؛ أفاد محمداً صلى الله عليه وسلم بشيء، حتى إنهم يذكرون زوجته” مارية القبطية، وسلمان الفارسي، وزوجيه “جويرية” و”صفية””7.

بل إن أحدهم ليتعب نفسه أحياناً في تخيل الافتراضات والتخمينات، ثم يقرر هو بنفسه في نهاية المطاف أنه لا يوجد ثمة دليل يعضد مفترضاته (أو بالأحرى مفترياته)، مثل ما حدث من المستشرق اليهودي الألماني “ولهلهم رودلف”، إذ يقول:

“إننا لمضطرون أن نفترض أن اليهودية والمسيحية قد عرفتا السبيل إلى مكة التي يعنينا أرها كثيراً، لأنها موطن محمد، وإن لم يكن ثم ما يثبت أنه كان بها يهود أو مسيحيون في عهد محمد، ومن العسير أن نظن أنه كان بها كثير منهم، وإلا لاحتفظت لنا السير بأنباء أكثر إسهاماً مما تناهى إلينا”8.

ولو تتبعنا ما يتعلق به جمهور المستشرقين من حجج، لإثبات أن الإسلام مأخوذ من اليهودية والنصرانية وغيرهما؛ لوجدناها ي غاية الضعف والوهن، إذ إنها -في مجموعها- عبارة عن افتراضات وظنون وتخمينات، لا تثبت أمام الحقائق الدامغة التي تنطق بها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما تحتويه دعوته من عقائد وتشريعات.

سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبطل مزاعم المستشرقين:

إن الثابت من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وهذا ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 48].

فكيف تهيأ له عليه الصلاة والسلام أن يطالع في “الكتاب المقدس” بعهديه القديم والجديد، أو في “التلمود”، ويحصل ما فيه، وهو الأمي الذي لا معرفة لديه بالقراءة ولا الكتابة، كشأن كثيرين من العرب في عهده صلى الله عليه وسلم؟

ومع افتراض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيد القراءة والكتابة، فلن يتسنى له أن يطالع في “الكتاب المقدس” ويحصل ما فيه، لأنه لم تكن هناك نُسخ منه مترجمة إلى اللغة العربية، متوفرة ومتاحة لمن أراد الاطلاع عليها من الغرب في الجزيرة العربية، وخاصة في مكة مهبط الوحي الأول، والتي لم يكن لليهودية والنصرانية فيها – حينذاك – وجود يذكر.

وقد قرر مؤلفو “قاموس الكتاب المقدس” – بشأن ترجمته إلى اللغة العربية – ما يلي:

“إن انتشار الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية بعد موت محمد (623م) تبعه ترجمات كثيرة للكتاب المقدس في اللغة العربية، ومن الممكن أن ترجمات جزئية وجدت قبل الإسلام، وفي القرن السابع كان يستعملها مسيحيو الشرق، وإننا نعرف أكيداً عن وجود ترجمة قام بها “يوحنا” أسقف إشبيلية في إسبانيا عام 724، قاصداً أن يساعد المسيحيين والمغاربة بواسطتها.

وقد اكتُشِف حديثاً مخطوطات لأجزاء من الكتاب المقدس في مكتبة دير القديسة كاترين، بعضها مؤرخ يرجع إلى القرن التاسع الميلادي، وبعضها من غير المؤرخ ويرجع إلى القرن الثامن الميلادي”9.

فليس هناك إذاً دليل قاطع على وجود ترجمة للكتاب المقدس في اللغة العربية، يمكن أن يفيد منها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على علم بأية لغة أجنبية، لا سيما التي كان الكتاب المقدس مكتوبا بها، في عصره صلى الله عليه وسلم.

وأما المفترضات العريضة بأن أشخاصاً ما لا بد أن يكونوا معلمي محمداً، ومصدر تلقين له مثل ورقة بن نوفل، وبحيرا الراهب، وسلمان الفارسي، وبعض أحبار اليهود والموالي، والتجار، وغيرهم كثير ممن جادت بهم قرائح المستشرقين وخيالاتهم الواسعة؛ فليس في كتب السيرة والتاريخ ما ينهض دليلاً مسعفا لأي من تلك المفترضات، والمستشرقون أنفسهم هدم بعضهم ما افترضه البعض الآخر، وقد أشرنا إلى مثال لهذا الاضطراب منذ قليل.

وعلى افتراض أن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم على يد هؤلاء المعلمين الكثيرين الذين زعمهم المستشرقون؛ ألا يحتاج هذا التعليم إلى أوقات كثيرة، بل إلى انقطاع للدرس والتحصيل من جانب محمد بن عبد الله؟ ويحتاج كذلك إلى أسفار ورحلات هنا وهناك وهنالك للأخذ عمن هو خارج مكة منهم؟

فمتى كان هذا الانقطاع والتردد على هؤلاء المعلمين من جانب محمد؟ ومتى كان هذا السفر والترحال للأخذ عمن هو خارج مكة؟

ولو حصل شيء من هذا لكان مشهوراً، ومعروفاً للقاص والداني من معصريه، خاصة خصومه ومعارضيه، ولاتخذوه سلاحاً يشهرونه في وجهه، حينما يقول لهم إن الله أرسلني إليكم بهذا الدين، ولقالوا له: هل نسيت أن الذي علمك هذا كله ولقنك إياه فلان وفلان من هنا أو هناك، فكيف تزعم أن الله أوحى إليك به؟

ولكن شيئا من هذا لم يحدث.

وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ليس فيها ما يشير إلى ذلك وأمثاله، بل فيها ما يفنده ويدحضه.

فقد ولد صلى الله عليه وسلم يتيما، وقضى طفولته الباكرة في ديار بني سعد عند مرضعته السيدة حليمة السعدية رضي الله عنها، ثم بعد ذلك عاد إلى مكة، وبقي في كفالة جده عبد المطلب، وقضى جزءًا من طفولته في رعي الغنم، ثم انتقل بعد ذلك في التجارة، والمعروف أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام مرة في تجارة مع عمه وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وهي المرة التي لقي فيها الراهب بحيرا لقاء عابراً، ثم مرة أخرى في تجارة للسيدة خديجة رضي الله عنها، ثم بعد ذلك تزوجها، وبقي في مكة، ثم مالت نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم إلى العزلة، ثم أخذ يتحنث في غار حراء ويبقى فيه الليالي ذوات العدد، حتى نزل عليه الوحي بقوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق: 1]، وبعدها بدأت مسيرة الدعوة والجهاد المتواصل، حتى أتاه اليقين.

أليست هذه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بإجماع كتب السيرة والتاريخ؟ فهل كان فيها فرصة للتنقل بين يدي هذا المعلم أو ذاك في مكة أو خارجها؟

التشريعات التي تضمنها الإسلام تؤكد ربانيته:

ثم إن الدين الذي جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتوي على بضعة مبادئ، أو قليل من التشريعات، وإنما اشتمل على عقائد، وعبادات ومعاملات وأخلاق؛ بل على كل ما ينظم أمور الناس في معاشهم ومعادهم.

فكيف تهيأ لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يتعلم ويحصل كل هذا وهو ثاو في مكة، لم يبرحها إلا في رحلتين تجاريتين إلى الشام، إحداهما وهو صبي في الثانية عشرة من عمره، والأخرى وهو شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره؟

وكيف استطاع أن يتعلم كل هذا ويحصله – زعموا -، وهو الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب؟!.

ثم إننا سنفترض جدلاً إن الإسلام ملفق من اليهودية والنصرانية، وأنه – على زعم المستشرقين – فرع منبثق من هذين الأصلين – المزعومين -، وصورة عنهما، واقتباس منهما..

وعلى هذا الافتراض نتساءل: أليس ثمة علاقة بين الأصل والفرع، أو بين الأصل والصورة، وبين المنقول والمنقول عنه؟

وإذا كانت هناك علاقة – وهذا كائن – فهل هي علاقة تضاد وتناقض، أم علاقة تشابه وتطابق؟

إن الذي يشهد به الواقع أن الفرع يكون عادة مشابهاً لأصله، وأن الصورة تكون عادة مطابقة لأصلها، وأن بين المنقول والمنقول عنه قواسم مشتركة كثيرة.. هذا واقع لا ينكره إلا غافل أو متجاهل.

فإذا كان الإسلام – كما يزعم المستشرقون – فرعاً منبثقاً من اليهودية والنصرانية، وملفقاً من كليهما؛ فهل جاءت عقائده وتشريعاته مماثلة لعقائد وتشريعات كل منهما، أم مخالفة لها ومناقضة؟

الواقع أن الإسلام خالف كلا من اليهودية والنصرانية في الجوهر؛ في الصميم.. في الأصول.. وهذا باد لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

فإذا كان هذا لخلاف الجوهري قائماً وواقعاً منذ أول لحظة بعث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون الإسلام مأخوذا من اليهودية والنصرانية؟ وأي شيء يكون قد أخذه إذن؟!

هل أخذ منهما عقيدة التوحيد؟

هل أخذ منهما الإيمان بعصمة الأنبياء؟

هل أخذ منهما عقيدة الإيمان بأن الله -تعالى- يجب له كل كمال يليق بذاته، ويستحيل في حقه كل نقص؟

هل أخذ منهما أن عيسى صلى الله عليه وسلم لم يُصلب، ولم يُقتل ولكنه رفع إلى السماء، وأنه بشر رسول، وليس إلها، ولا ابن إله؟

هل أخذ منهما الصلوات الخمس، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وإيتاء الزكاة، وأحكام الجهاد، على النحو المفصل في الشريعة الإسلامية؟

هل أخذ منهما أحكام الزواج والطلاق، وتعدد الزوجات، وتشريع المواريث…؟

إن كل هذا الذي تساءلنا بحقه، وغيره كثير، لا وجود له عند اليهود والنصارى، إنما الذي عندهم نقيض له تماماً!!.

فيكف يكون الإسلام صورة عن اليهودية والنصرانية، وبينه وبينهما خلافٌ واسع، وبونٌ شاسع؟!.

هناك أصول مشتركة بين رسالات الأنبياء:

ولو افترضنا أن ثمة تشابها بين الإسلام، وكل من اليهودية والنصرانية في شيء ما، فهذا ليس دليلاً على أنه مأخوذ منهما، وإنما يكون دليلا على وحدة المنبع والمصدر، وهو الوحي الإلهي.

ونحن المسلمين نعتقد أن هناك أصولا مشتركة بين الرسالات جميعا، ما من نبي أو رسول إلا جاء بها، ودعا قومه إليها.

ومن ذلك العقائد وهي الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر، وكذلك أصول الأخلاق، وأصول العبادات، كالصوم والصلاة والزكاة ونحوها، وإن كانت كيفية هذه العبادات قد تختلف من شريعة لأخرى، لكن أصلها موجود عند الجميع..

قال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13].

فلو كان ثمة تشابه في أمر ما فمرده إلى هذا الذي ذكرنا، لا إلى أن الإسلام مقتبس من غيره.

وهذه حقيقة أكد عليها المنصفون من أهل الكتاب لما عرفوا الإسلام، واستمعوا القرآن، كما حدث من النجاشي “أصحمة” رضي الله عنه، حينما قام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه خطيبا أمامه، ثم قرأ عليه صدْرا من سورة مريم، وذلك إبان هجرة المسلمين إلى الحبشة، عندها بكى النجاشي حتى ابتلَّت لحيته، ثم قال: “إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة”10.

هذا، وللقوم في هذا الباب مغالطات كثيرة، كلها على هذا النهج من التخبط، وفساد القول، ولو تتبعناها لطال بنا الحديث، وهي جميعا تخمينات وافتراضات لا أساس لها من الحقيقة -كما رأيت- وحسبنا تلك الوقفة القصيرة التي بان من خلالها زيف مزاعمهم، وبطلان اتهامهم.

وننتقل إلى صورة أخرى من مفترياتهم.

  1. يراجع الإسلام في تصورات الغرب، ص 30، 34 وغيرهما. ↩︎
  2.  يراجع: صور استشراقية، ص 94. ↩︎
  3. السابق، ص 49 وما بعدها، وانظر: المستشرقون الناطقون بالإنجليزية، ملحق بكتاب: الفكر الإسلامي الحديث، ص 475 – 502. ↩︎
  4. في صفحات: 14، 94، 118، وغيرها. ↩︎
  5. الفرنسي السافل في الجامعة الأمريكية، مقال بجريدة الشعب (مرجع سابق). ↩︎
  6. يراجع على سبيل المثال: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، للإمام القرافي، تحقيق د/ بكر زكي عوض، ص 411 – 457، ط الأولى 1407هـ – 1986م، بشرية المسيح ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم في نصوص كتب العهدين، للشيخ رحمة الله الهندي، إعداد: د/ محمد أحمد ملكاوي، ص 201 – 278، ط الأولى 1413هـ – 1993م، إظهار الحق، تأليف الشيخ رحمة الله الهندي، تحقيق د/ أحمد حجازي السقا 2/239 – 300، دار التراث العربي، القاهرة، ط الثانية 1406هـ – 1986م. ↩︎
  7. صور استشراقية، ص 35. ↩︎
  8. السابق ص 50. ↩︎
  9. قاموس الكتاب المقدس، تأليف نخبة من ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين، ص 711، دار الثقافة – القاهرة، ط التاسعة 1994م. ↩︎
  10. راجع القصة بتمامها في: السيرة النبوية لابن هشام 1/ 334 – 338. ↩︎

المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى