أديان وفرق ومذاهبالشيعة

إثبات تحريم نكاح المتعة من القرآن الكريم والسنة النبوية وكتب الشيعة

نكاح المتعة: هو أن يقول الرجل لامرأة: خذي هذا المال المعلوم – ولو درهمًا – وأتمتَّعُ بكِ مدةً معلومةً1.

وفي نكاح المتعة لا ميراث بين الرجل والمرأة إن مات أحدهما أثناء المدة، وإذا انقضت المدة؛ فلا سبيل له عليها، وليس فيه طلاق2.

ونكاح المتعة مُحرَّم بدلالة القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ولم يحله إلا الشيعة الإمامية، مع أن في كتبهم المعتمدة روايات تدل على تحريمه، وبيان ذلك فيما يلي:

قال الله تعالى عن المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 5 – 7].

قال الفخر الرازي: “هذه الآية تدل على تحريم المتعة، وتقريره أنها ليست زوجة له، فوجب ألَّا تحل له، وإنما قلنا: إنها ليست زوجة له؛ لأنهما لا يتوارثان بالإجماع، ولو كانت زوجة له لحصل التوارث؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ﴾ [النساء: 12]، وإذا ثبت أنها ليست بزوجة له وجب ألَّا تحل له”3.

فكل من ابتغى غير النكاح الشرعي وملك اليمين، فإنه من العادين، وقد لعن الله بني إسرائيل حين عصوا الله وكانوا يعتدون، فقال سبحانه: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 78].

وقد جاءت أحاديث وآثار كثيرة تدل على حرمة نكاح المتعة، وأنه كان مباحًا للضرورة ثم نُسخ، ومن ذلك:

ما رواه الحسن وعبدالله ابنا محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما محمد بن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحُمُر الأهلية زمن خيبر”4.

وعن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بين الركن والباب وهو يقول: ((أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا))5.

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: “رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا، ثم نهى عنها”6.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتطول غربتنا، فقلنا: ألا نختصي يا رسول الله؟ فنهانا، ثم رخص أن نتزوَّج المرأة إلى أجل بالشيء، ثم نهانا عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحُمُر الإنسية”7.

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما، قال: “إنما رخص رسول الله في المتعة؛ لعزوبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك”8.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “نسخ المتعةَ الطلاقُ والعدةُ والميراثُ”9.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “المتعة منسوخة، نسخها الطلاق، والصداق، والعدة، والميراث”10.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه سُئِل عن المتعة، فقال: “ذلك السفاح”11.

وعن سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله قال: “نسخها الميراث”12.

وعن سعيد بن المسيب أيضًا قال: “رحم الله عمر، لولا أنه نهى عن المتعة صار الزِّنا جهارًا”13.

وعن التابعي الجليل عروة بن الزبير بن العوَّام رحمه الله قال: “نكاح المتعة بمنزلة الزِّنا”14.

وقد ثبت عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرى إباحة نكاح المتعة، ثم رجع عن ذلك، فعن خالد بن المهاجر بن خالد قال: أرخص ابن عباس في المتعة، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: ما هذا يا أبا عباس؟! فقال ابن عباس: فُعِلت مع إمام المتقين، فقال ابن أبي عمرة: “اللهم غفرًا، إنما كانت المتعة رخصة كالضرورة إلى الميتة، والدم، ولحم الخنزير، ثم أحكم الله تعالى الدين بعد”15.

وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن الناس قد أكثروا عليك في المتعة، وقال الشاعر فيها ما قال، فخرج ابن عباس فقال: “هي كالمضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير”16.

قال الإمام أبو عُبيد القاسم بن سلام الهروي رحمه الله: “المسلمون اليوم مجمعون على أن متعة النساء قد نسخت بالتحريم، ثم نسخها الكتاب والسُّنَّة على ما ذكرنا في هذه الأحاديث، ولا نعلم أحدًا من الصحابة كان يترخَّص فيها إلا ما كان من ابن عباس، فإنه كان ذلك معروفًا من رأيه، ثم بلغنا أنه رجع عنه… وأما قول أهل العلم اليوم جميعًا من أهل العراق وأهل الحجاز وأهل الشام وأصحاب الأثر وأصحاب الرأي وغيرهم: أنه لا رخصة فيها لمضطر ولا لغيره، وأنها منسوخة، حرام”17.

وقال الإمام ابن المنذر النيسابوري رحمه الله: “ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، ودلَّ قوله: ((ألا وأن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة)) على أن النسخ لا يجوز أن يقع عليه، وقد روينا أخبارًا عن الأوائل بإباحة ذلك، وليس لها معنى، ولا فيها فائدة مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِمَّن نهى عن المتعة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقال القاسم بن محمد: تحريمها في القرآن: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 5 – 7]، “روي عن ابن مسعود أنه قال: نسخها آية الطلاق، والعدة، الميراث، وروي عن علي أنه قال ذلك، وقال ابن عمر: ما أعلمه إلا السفاح، وقال ابن الزبير: المتعة الزِّنا الصريح، ولا أعلم أحدًا يعمل بها إلا رجمته، وقال الحسن البصري: ما كانت المتعة إلا ثلاثة أيام حتى حرَّمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وممَّن أبطل نكاح المتعة: مالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا أعلم أحدًا يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف القائل به الكتاب والسُّنَّة”18.

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: “لا يحل نكاح المتعة، ويفسخ”19.

وقال العلامة الطحاوي الحنفي رحمه الله: “عمر رضي الله عنه قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر ذلك عليه منهم منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك عنها دليل على نسخها وحجة”20.

وقال العلامة الخرقي الحنبلي رحمه الله: “لا يجوز نكاح المتعة، ولو تزوَّجها على أن يطلقها في وقت بعينه لم ينعقد النكاح”21.

وقال العلامة الجصاص الحنفي رحمه الله في شرح مختصر الطحاوي: “قال أبو جعفر: ونكاح المتعة غير جائز، وهو أن يتزوَّج الرجل المرأة وقتًا معلومًا. قال الجصاص: هذا لا خلاف بين الفقهاء في فساده. وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها في أخبار مستفيضة شائعة، وأنه حرَّمها بعدما كان أباحها”22.

وقال العلامة ابن الجلاب المالكي رحمه الله: “نكاح المتعة باطل، وهو أن يقول الرجل للمرأة: متِّعيني بنفسك يومًا أو شهرًا أو مدة من الزمان معلومة بكذا وكذا”23.

وقال الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله: “لا يجوز نكاح المتعة، وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نسخًا باتًّا إلى يوم القيامة”24.

وقال الفقيه ابن أبي حافظ المقدسي النابلسي رحمه الله: “باب بيان النص الوارد في تحريم نكاح المتعة، وبطلانه، وفساده، وخطإ فاعله، وإثمه؛ لمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أمر الله تعالى باتباعه، واتباع أوامره، وقبول نواهيه – ثم ذكر الأدلة على تحريمها، والرد على من أباحها، ثم قال-: وإذا كان كذلك ثبت تحريمها من جميع هذه الوجوه، ولم يستحلها بعد ما تقدم بيانه، إلا جاهل أو معاند عرف الحق فعانده، وأيهما كان فمذموم في الشريعة، ملوم على ارتكابه، والرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، ومراعاة الشريعة أولى من تقليد الناس، والرجوع إلى السواد الأعظم أولى من الانفراد والشذوذ”25.

وقال قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله: “متعة النساء حرام إلى يوم القيامة”26.

وقال الوزير ابن هُبيرة رحمه الله: “أجمعوا على أن نكاح المتعة باطل لا خلاف بينهم فيه”27.

وقال العلامة ابن الجوزي البغدادي رحمه الله: “ربما توهَّم مَنْ لا علم له أن عمر نهى عن المتعة لمصلحة رآها، وهذا لا يجوز لوجهين: أحدهما: أنه ليس له أن يُغيِّر شرع رسول الله، ولولا أنه ثبت عنده الناسخ ما قال، والثاني: أنه لو كان على وجه المصلحة ما توعد عليه بالرجم”28.

وقال الحافظ ابن القطان الفاسي رحمه الله: “اتفق أئمة الأمصار أهل الرأي والآثار بمصر والمغرب والشام على تحريم نكاح المتعة؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها”29.

وقال العلامة النووي رحمه الله: “قال المازري: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزًا في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلَّقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة، فلا دلالة لهم فيها، وتعلَّقوا بقوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [النساء: 24]، وفي قراءة ابن مسعود: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل)، وقراءة ابن مسعود هذه شاذة، لا يحتج بها قرآنًا ولا خبرًا، ولا يلزم العمل بها،… واختلفت الرواية في صحيح مسلم في النهي عن المتعة، ففيه: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وفيه أنه نهى عنها يوم فتح مكة، فإن تعلَّق بهذا من أجاز نكاح المتعة، وزعم أن الأحاديث تعارضت، وأن هذا الاختلاف قادح فيها، قلنا: هذا الزعم خطأ، وليس هذا تناقضًا؛ لأنه يصح أن ينهى عنه في زمن، ثم ينهى عنه في زمن آخر توكيدًا أو ليشتهر النهي، ويسمعه من لم يكن سمعه أولًا، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقل كل منهم ما سمعه، وأضافه إلى زمان سماعه، هذا كلام المازري، قال القاضي عياض: روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو، عند ضرورتهم وعدم النساء، مع أن بلادهم حارة، وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر في حديث ابن أبي عمرة أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة ونحوها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح، وهما واحد، ثم حرمت يومئذٍ، وفي حديث علي تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح،… والصحيح أن الذي جرى في حجة الوداع مجرد النهي كما جاء في غير رواية، ويكون تجديده صلى الله عليه وسلم النهي عنها يومئذٍ لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، ولتمام الدين، وتقرر الشريعة، كما قرر غير شيء، وبين الحلال والحرام يومئذٍ، وبت تحريم المتعة حينئذٍ لقوله: ((إلى يوم القيامة))، قال القاضي: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر وفي عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس أنه جدَّد النهي عنها في هذه المواطن؛ لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه؛ بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات؛ لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة وعن لحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر، فقال بعضهم: هذا الكلام فيه انفصال، ومعناه: أنه حرم المتعة، ولم يبين زمن تحريمها، ثم قال: ولحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر، فيكون يوم خيبر لتحريم الحُمُر خاصة، ولم يبين وقت تحريم المتعة؛ ليجمع بين الروايات، قال هذا القائل: وهذا هو الأشبه أن تحريم المتعة كان بمكة، وأما لحوم الحُمُر فبخيبر بلا شك، قال القاضي: وهذا أحسن لو ساعده سائر الروايات عن غير سفيان، قال: والأولى ما قلناه أنه قرر التحريم لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس، فتحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم للضرورة بعد التحريم، ثم حرمها تحريمًا مؤبدًا، فيكون حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء، ثم أباحها يوم الفتح للضرورة، ثم حرَّمها يوم الفتح أيضًا تحريمًا مؤبدًا، وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع؛ لأنها مروية عن سبرة الجهني، وإنما روى الثقات الأثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة، والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة، ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم من النهي عنها يوم الفتح، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيدًا وإشاعة له كما سبق،… وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين، والله أعلم، هذا آخر كلام القاضي، والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالًا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أُبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم، ولا يجوز أن يقال: إن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد، وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح كما اختاره المازري والقاضي؛ لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحة يوم الفتح صريحة في ذلك، فلا يجوز إسقاطها، ولا مانع يمنع تكرير الإباحة، والله أعلم، قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل، لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض، وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه”30.

وقال تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: “الروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه صلى الله عليه وسلم حرَّم المتعة بعد إحلالها”31.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “قال ابن المنذر: لا أعلم اليوم أحدًا يجيزها إلا بعض الروافض، ولا معتمد لقول يخالف كتاب الله وسُنَّة رسوله، وقال عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلَّا الروافض. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى عليٍّ وآل بيته؛ فقد صح عن عليٍّ أنها نسخت، ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزِّنا بعينه. وقال القرطبي: الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل، وأنه حرم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا مَنْ لا يلتفت إليه من الروافض”32.

وقد ضَلَّ الشيعة الإمامية في إباحة نكاح المتعة، وافتروا على أئمتهم أقوالًا كثيرة في إباحتها، لا سيَّما جعفر الصادق وأبوه محمد الباقر، ومن تلك الروايات المكذوبة عن أهل البيت:

عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام قال: ((إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما أُسري به إلى السماء، قال: لحقني جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إن اللّه تبارك وتعالى يقول: إني قد غفرت للمتمتعين من أُمَّتك من النساء))33.

وعن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت: للمتمتع ثواب؟ قال: إن كان يريد بذلك وجه اللّه تعالى، وخلافًا على من أنكرها، لم يكلمها كلمة إلا كتب اللّه له بها حسنة، ولم يمد يده إليها إلا كتب اللّه له حسنة، فإذا دنا منها غفر اللّه له بذلك ذنبًا، فإذا اغتسل غفر اللّه له بقدر ما صبَّ من الماء على شعره، قلت: بعدد الشعر؟! قال: بعدد الشعر”34.

وافترى الشيعة على أئمتهم أنهم كانوا يأمرون أتباعهم بنكاح المتعة ولو مرة واحدة؛ لأنهم يرونها سنة مؤكدة لا ينبغي للشيعي الصادق أن يتركها؛ بل بعض الروايات تدل على أنها عندهم واجبة، وأن من تركها عاصٍ ملعون!

فعن هشام عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: “إني لأحبُّ للرجل ألَّا يخرج من الدنيا حتى يتمتع ولو مرة، وأن يصلي الجمعة في جماعة”35.

وعن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: “يستحب للرجل أن يتزوج المتعة، وما أُحِبُّ للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوَّج المتعة ولو مرَّة”36.

وعن محمد بن علي الهمداني، عن رجل سمَّاه، عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: “ما من رجل تمتَّع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكًا يستغفرون له إلى يوم القيامة، ويلعنون متجنبها إلى أن تقوم الساعة”37.

ولا شَكَّ أن هذه الروايات كلها كذب على أهل البيت، وقد تقدَّم ذكر الرواية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتحريم نكاح المتعة، ووردت أيضًا عدة روايات عن آل البيت في تحريم نكاح المتعة في كتب الشيعة المعتمدة عندهم، ومن ذلك ما يلي:

روى شيخ الشيعة الطوسي، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: “حرَّم رسولُ الله صلى اللَّه عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحُمُرِ الأهلية، ونكاح المتعة”38.

والعجيب أن الحر العاملي عقَّب على هذه الرواية بقوله: “حمله الشيخ (يقصد الطوسي) وغيره على التقية، يعني: في الرواية؛ لأن إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإِمامية”39.

وهذه الطريقة معروفة عند الشيعة، فأي رواية عن أئمتهم مذكورة في كتبهم لا تعجبهم وتخالف أهواءهم يحملونها على التقية، حتى قال يوسف البحراني: “لم يُعلم من أحكام الدين على اليقين إلا القليل؛ لامتزاج أخباره بأخبار التقية”40.

وعن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله جعفر الصادق عليه السلام عن المتعة، فقال: “لا تُدَنِّس نفسك بها”41.

  1. يُنظر: التعريفات للجرجاني (ص: 246)، التعريفات الفقهية للبركتي (ص: 232). ↩︎
  2. يُنظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (8/ 196). ↩︎
  3. تفسير الرازي (23/ 262). ↩︎
  4.  رواه البخاري (5115)، ومسلم (1407). ↩︎
  5. رواه مسلم (1406). ↩︎
  6. رواه مسلم (1405). ↩︎
  7. رواه عبدالرزاق في مصنفه (14048). ↩︎
  8. رواه ابن أبي حافظ في تحريم نكاح المتعة (51). ↩︎
  9.  رواه عبدالرزاق في مصنفه (14046). ↩︎
  10. رواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (134). ↩︎
  11.  رواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (129). ↩︎
  12. رواه عبدالرزاق في مصنفه (14045). ↩︎
  13. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (17073). ↩︎
  14.  رواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (130). ↩︎
  15. رواه عبدالرزاق في مصنفه (14033). ↩︎
  16. رواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (139). ↩︎
  17. الناسخ والمنسوخ (ص: 79، 82). ↩︎
  18.  الإشراف على مذاهب العلماء (5/ 71، 72). ↩︎
  19. الأم للشافعي (4/ 121). ↩︎
  20.  شرح معاني الآثار (3/ 27). ↩︎
  21.  مختصر الخرقي (ص: 104). ↩︎
  22. شرح مختصر الطحاوي للجصاص (4/ 367). ↩︎
  23. التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس (1/ 397). ↩︎
  24. المحلى بالآثار (9/ 127). ↩︎
  25. تحريم نكاح المتعة (ص: 23، 123). ↩︎
  26.  الحجة (2/ 438) (2/ 266). ↩︎
  27. اختلاف الأئمة العلماء (2/ 148). ↩︎
  28. كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 147). ↩︎
  29.  الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 17). ↩︎
  30. شرح النووي على مسلم (9/ 179 – 181). ↩︎
  31. منهاج السنة النبوية (4/ 190). ↩︎
  32.  فتح الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 173). ↩︎
  33. يُنظر: من لا يحضره الفقيه للصدوق ( 2/ 149)، وسائل الشيعة للحر العاملي (14/ 442)، بحار الأنوار للمجلسي (100 / 306). ↩︎
  34. يُنظر: من لا يحضر الفقيه للصدوق (2/ 149)، وسائل الشيعة للحر العاملي (14/ 442)، بحار الأنوار للمجلسي (100/ 306). ↩︎
  35.  يُنظر: وسائل الشيعة للحر العاملي (14/ 443). ↩︎
  36. يُنظر: وسائل الشيعة للحر العاملي (14/ 443)، بحار الأنوار للمجلسي ( 100/ 305). ↩︎
  37.  يُنظر: وسائل الشيعة للحر العاملي (14/ 444). ↩︎
  38. يُنظر: تهذيب الأحكام للطوسي (2/ 186)، الاستبصار للطوسي (3/ 142)، وسائل الشيعة للحر العاملي (14/ 441). ↩︎
  39. وسائل الشيعة (14/ 441). ↩︎
  40. الحدائق (1/ 5، 6). ↩︎
  41.  يُنظر: بحار الأنوار للمجلسي (100 / 318). ↩︎
المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى