أهم أسباب انتشار الشبهات حول السنة وبعض الكتب في الرد على المشككين فيها
كانت – وما زالت – هناك جهودٌ للتشكيك في السُّنة النبوية قديمًا كما فعل بعضُ المعتزلة وبعض أهل الرأي قديمًا، وقد ردَّ العلماءُ على أولئك في زمنِهم؛ حيث نجد عند مطالعتِنا لكتب المتقدِّمين تلك الجهودَ واضحةً في الردِّ على تلك المحاولات؛ كجهود الشافعيِّ (204 هـ) في (الرسالة)، وابن قُتيبة (276 هـ) في (مختلف الحديث)، وابن فُورك (406 هـ) في (مشكل الحديث وبيانه)، والخطيب البغداديِّ (463 هـ) في بعض مباحث كتاب (الفقيه والمتفقِّه) و(الكفاية في علم الرواية)، وغيرهم من علماء الإسلام قديمًا.
وفي زمننا ظهر المستشرقون والعلمانيون وأتباعهم، فأخذوا العديد مِن شُبَه السابقين لهم من المشكِّكين، وزادوا عليها بعضَ الشُّبَه، فانتشرت بين الناس، فبَرَزَ لهم العلماء بالردَّ عليهم من جديد.
وكان من أسباب انتشار الشبهات حول السنة النبوية في عصرنا:
- الجهل والضعف عمومًا لدى بعض متلقِّي الشُّبُهات من عوامِّ الناس، وضعف التأصيل العلميِّ لدى طلبة العلوم الشرعية.
- انتشار بعض الشبهات عن طريق بعض المتخصِّصين في الجامعات والمعاهد العلمية، ممَّن سلكوا مسالك خاصة بهم، وحادوا في منهجهم عن جادَّة الصواب.
- حب الشهرة والظهور، وادِّعاء النقد العلميِّ الموضوعيِّ، دون امتلاك أدوات النقد العلميِّ.
- تلقِّي الشبهات في بعض البعثات العلمية إلى الدول الأوروبية.
- سرعة انتشار الشبهات لوجود بعض مِنصَّات الشهرة؛ كمواقع التواصل الاجتماعيِّ (الفيسبوك وتويتر)، التي يسَّرت للكثيرين نشرَ أفكارهم، والترويج لها، وتسليط الأضواء عليهم.
- اتِّباع الهوى والشهوات للتخفُّفِ من تكاليف الدِّين تحت أيِّ ذريعة؛ بحُجَّة وجود الشبهات وبعض القضايا المُشكِلة.
من هنا كان لا بدَّ على طلبةِ العلم التسلُّحُ بالعلم والحُجَّة، وكثرة المطالعة؛ للوقوف أمام تلك الهجمات، وقد أَوْلى علماءُ الإسلام قديمًا وحديثًا هذا الأمرَ عنايةً تَسُدُّ الحاجة لدى طلبة العلم، فصنَّفوا المصنَّفات، وزخرت المكتبة الإسلامية بكثير من المؤلَّفات في هذا الباب، ابتداءً من الإمام الشافعيِّ، وامتدادًا إلى عصرنا.
وأذكر في هذه المقالة بعضَ الكتب في الردِّ على المشكِّكين في السنة النبوية، من حيث إنكارُ حجيَّتها، والطعن في ناقليها، أو الطعن في بعض الأحاديث وقواعد علوم الحديث، وغيرها من الشُبَه، ولا أقصد هنا استقصاءَ المكتبة الإسلامية في ذلك، إنما أذكر ما وقفت عليه، وما أوصى به أهل العلم والمهتمِّين، وهي كالتالي:
كتب في الرد على حجية السنة عمومًا:
- كتاب (الرسالة)؛ للإمام محمَّدِ بنِ إدريسَ الشافعيِّ (ت 204 هـ)، فقد ذكر الإمام الشافعيُّ في بعض مباحثه مسألةَ حجيَّة السنة، والردَّ على مَن أنكرها، وغيرها من المباحث المهمة.
- مقدِّمة كتاب (تأويل مختلف الحديث)؛ لأبي محمدِ بن قتيبة (ت 276 هـ)، فقد ذكر في مقدِّمته الطويلة الرصينة قواعدَ وردودًا ماتعة في الردِّ على المناهضين للسنة النبوية؛ كالنظَّام من المعتزلة، وأهل الرأي في زمنه، ثمَّ انتصاره للسنة النبوية، وهي مقدِّمةٌ لا بدَّ لطالب العلم أن يقف معها طويلًا.
- كتاب (السُّنة ومكانتها في التشريع)؛ د. مصطفى السباعي (ت 1964م)، وهو كتاب جامعٌ يتحدَّث عن كثير من شُبهات المستشرقين.
- وكتاب (حجية السنة)؛ د. عبدالغني عبدالخالق، وهو رسالة دكتوراه.
كتب في الرد على التشكيك في تاريخ السنة وتدوينها:
- كتاب (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ التدوين)؛ د. محمد مصطفى الأعظمي.
كتب في الدفاع عن الصحابة والسنة:
- كتاب (الأنوار الكاشفة)؛ عبدالرحمن المُعلِّمي اليَمَاني (ت 1966 م)، وهو كتاب رصين تَتَبَّع فيه شُبَه محمود أبو رَيَّة، التي نقلها عن المستشرقين في الطعن في بعض الصحابة وفي بعض الأحاديث النبوية.
- كتاب (أبو هريرة راوية الإسلام)؛ محمد عجاج الخطيب.
كتب في الرد على المستشرقين:
- كتاب (دفاع عن السُّنة، وشُبَه المستشرقين والكتَّاب المعاصرين)؛ د. محمد محمد أبو شهبة، وقد قال عنه: (كتاب جمعتُ فيه عصارةَ ذهني وعقلي وخلاصة عمرٍ طويل في دراسة السنة النبوية والردود على ما يُثار حولها مِن شُبَه…، ما يزيد عن ثلث قرن).
- كتاب (المستشرقون ومصادر التشريع الإسلامي)؛ د. عجيل النشمي.
كتب في الرد على العلمانيين:
- كتاب (الاتجاه العلماني المعاصر في دراسة السنة النبوية.. دراسة نقدية)؛ د. غازي الشمري، وهي رسالة دكتوراه ممتازة في بابِها.
كتب في الرد على العقليِّين والحَداثيِّين:
- كتاب (الاتجاه العقلي وعلوم الحديث – جدلية المنهج والتأسيس)؛ د. خالد أبا الخيل، (عميد كلية الشريعة في جامعة القصيم / السعودية).
- كتاب (الحداثة وموقفها من السنة)؛ الحارث فخري عيسى، وهي رسالة دكتوراه.
- كتاب (مشكلات الأحاديث النبوية)؛ عبدالله القصيمي، وهو كتاب جمع فيه بعض الأحاديث التي اعترض عليها بعض المشكِّكين، وردَّ عليها ردًّا علميًّا معاصرًا.
كتب في الدفاع عن الصحيحين ومكانتهما:
- كتاب (مكانة الصحيحين)؛ خليل ملا خاطر.
- كتاب (هَدْي الساري)؛ أحمد بن حجر العسقلاني (٨٥٢ هجرية)، مقدمة شرح صحيح البخاري؛ وهو مصدرٌ لا غنى لطالب علوم الحديث عنه؛ ففيه بعض المباحث في الدفاع عن رجال البخاريِّ وبعض أحاديثه، خاصة في الفصلين الثامن والتاسع.
- وأخيرًا هناك موسوعتان مهمَّتان في هذا الباب:
♦ (موسوعة بيان الإسلام للرد على الافتراءات والشبهات)، وهي من إعداد نخبة من العلماء والمتخصصين، تقع في 24 مجلدًا، وفيها الردُّ على أغلب الشبهات قديمًا وحديثًا حول الإسلام عمومًا، والسنة النبوية خصوصًا، وهي تشمل كثيرًا من المباحث السابقة، ومنهجها كالتالي:
- بيان فكرة الشبهة.
- بيان أفكار الرد عليها.
- البَدْء بالدليل العقليِّ في الرد؛ لأن المخالف لا يؤمن بقرآن ولا سنة.
- إلحاق الرد النقليِّ بعد التأسيس العقليِّ له.
- الختام بخلاصة مركزة.
- الالتزام بالوسطية الفكرية.
♦ وكتاب (موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام)؛ وهو من تأليف أحمدَ بنِ سليمانَ أيوب، ونخبة من الباحثين، وإشراف د. سليمان الدريع، ويتكوَّن الكتاب من 12 مجلدًا، جمع فيها قرابة 600 شبهة أساسية حول الاسلام، ويندرج تحتها قسم من الشبهات حول السنة النبوية.
وأخيرًا: يجب على العلماء والدعاة تقريب مثل هذه المصنَّفات لطلبة العلم، ومُدارستها مع الطلبة للسعي إلى بناء علميٍّ متكامل لدى طلبة العلم.
ثمَ يجب على طالب العلم الشرعي عمومًا، وطالب علم الحديث خصوصًا، أن يبني نفسه بِناءً علميًّا متكاملًا؛ من حيث تعلُّمُ السنة النبوية من مصادرها الأصلية، والسير ضمن خطة علمية واضحة في القراءة والمطالعة، يجمع فيها بين القديم والحديث من كتب السنة النبوية وبيانها والدفاع عنها.
يتبع: وقفات مع بعض شبهات المشككين في السنة النبوية.