أهل السنة أولى بأهل البيت من الشيعة
يزعم الشيعة الاثنا عشرية أنهم أتباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعلوم أن الشيعة مع غلوِّهم في حُبِّ عليٍّ حتى رفعوه فوق منزلته، وادَّعَوا له العصمة، يخالفونه في مسائل كثيرة، منها:
- علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يعتقد كجميع المسلمين أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وأن الوحي قد انقطع بموته؛ ولكن غلاة الشيعة الإمامية يخالفون عليًّا رضي الله عنه في هذا، فيعتقدون أن أئمتهم يأتيهم الوحي، وتأتيهم الملائكة، وقد عقد المجلسي عالم الشيعة المشهور في كتابه بحار الأنوار (26/ 351) بابًا بعنوان (باب أن الملائكة تأتيهم وتطأ فُرُشَهم وأنهم يرونهم)، وذكر فيه ستة وعشرين حديثًا في ذلك، منها ما ذكره في (26/ 356) عن جعفر الصادق أنه قال: (إن الملائكة لتنزل علينا، وما من يوم يأتي إلا وأخبار أهل الأرض عندنا، وما يحدث فيها)، وحاشا جعفر الصادق أن يقول هذا الكذب!
- قال المجلسي- عامله الله بما يستحق- في كتابه بحار الأنوار (26/ 82): “لا نعرف جهة لعدم اتِّصافهم بالنبوَّة إلا رعاية خاتم الأنبياء، ولا يصل عقولنا فرق بين النبوَّة والإمامة”.
- يعتقد الشيعة الرافضة أن مَنْ لا يعتقد بإمامة المهدي المنتظر الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب الغائب منذ سنة 260 هجرية فهو كافر، وهم ينتظرون خروجه إلى يومنا هذا بعد هذه المدة الطويلة، ويسألون الله تعجيل فرجه، ولم يكن اﻹمام عليٌّ رضي الله عنه يعتقد خروج هذا المهدي المزعوم، ولا أوصى الناس بانتظار خروجه، ولم يُكفِّر عليٌّ مَنْ لا يعتقد هذه العقيدة الخرافية، ومعلوم عند علماء الأنساب والتاريخ أن الحسن بن علي العسكري مات عقيمًا، لم يكن له ولد، وأنه ورثه أخوه جعفر بن علي؛ ولكن الشيعة لا يعلمون، أو يعلمون ويُكابرون.
- يعتقد الشيعة الرافضة أن عليًّا والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وبقية الأئمة الاثني عشر معصومون، ولم يكن يدَّعي ذلك عليٌّ وأهل بيته رضي الله عنهم؛ بل كانوا يعلمون أنه لا معصوم غير النبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا يستغفرون الله من ذنوبهم وتقصيرهم.
- الرافضة يُحِلُّون نكاح المتعة، ومعلومٌ عقلًا لمن لم يتعصَّب أنه كالزنا، ولا يرضاه أيُّ عاقل سويِّ الفِطْرة مع ابنته أو أخته، واﻹمام عليٌّ كان يُحرِّمُه، وروى عليٌّ تحريمه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هو ثابت في صحيحي البخاري ومسلم، وروى علماء الشيعة أنفسهم تحريمه عن علي رضي الله عنه كما في تهذيب الأحكام للطوسي (2/ 186)، وفي بحار الأنوار للمجلسي (100 / 318) عن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله جعفر الصادق عليه السلام عن المتعة، فقال: (لا تُدَنِّس نفسك بها).
- الرافضة يبغضون أبا بكر وعمرَ وعثمانَ، واﻹمامُ عليٌّ كان يحبُّهم، وسمَّى بعض أبنائه بأسمائهم، وزوَّج عليٌّ عمرَ بنَ الخطاب بابنته أُمِّ كلثوم بنت علي، وفي كتاب حياة القلوب للمجلسي (2 / 621) أن علي بن أبي طالب قال: (أوصيكم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسبُّوهم؛ فإنهم أصحاب نبيِّكم)، ولم يأخذ الشيعة بوصية علي رضي الله عنه الثابتة في كُتُبِهم، فهم يسبُّون الصحابة ويلعنونهم، وقد أمرنا الله في كتابه بالاستغفار لهم، قال الله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
- كثيرٌ من الشيعة لا يُصلُّون صلاة العصر قبل غروب الشمس كما أمر الله بها في كتابه في ذلك الوقت، كما قال الله سبحانه: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]، فيصلُّون العصر نصف النهار جمعًا بعد صلاة الظهر، ولم يكن يفعل ذلك عليٌّ رضي الله عنه؛ بل كان محافظًا على الصلوات في أوقاتها، ومنها الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر التي هجر أكثر الشيعة صلاتها في الجماعة في وقتها الشرعي.
- يُنكر الشيعة أن الله تبارك وتعالى في السماء مستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله بلا تشبيه، وأن المؤمنين يرون ربَّهم في اﻵخرة بلا إحاطة، ويخالفون في ذلك كتاب الله وسُنَّة رسوله، وما كان عليه الصحابة، ومنهم عليٌّ وأهل بيته، قال الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وقال سبحانه: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]، وقال عز وجل: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]، فأثبت الله أن المؤمنين يرونه، ورؤيتهم له بغير إدراك وإحاطة، فالله أعظم من أن تدركه الأبصار، كما قال سبحانه: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103].
- يحتفل الشيعة بما يسمُّونه عيد الغدير، ويزعمون أن عليًّا هو الوصيُّ، ولم يكن يحتفل اﻹمام علي بهذا العيد المبتدع المزعوم، ولم يدَّعِ أبدًا أنه الوصيُّ؛ ولكنهم يُصدِّقون الكذب، وهم لا يعلمون.
- يضرب كثير من الشيعة الرافضة أنفسهم يوم عاشوراء، ولم يكن يفعل ذلك اﻹمام علي ولا الحسن ولا الحسين ولا علي بن الحسين ولا محمد الباقر، ولا جعفر الصادق، ولا أحد من أئمة أهل البيت الراسخين في العلم، وكل محدثة بدعة، وما أكثر البدع في دين الشيعة! ومن ذلك قولهم في الأذان: أشهد أنَّ عليًّا وليُّ الله، ولم يكن ذلك معروفًا في عهد علي رضي الله عنه الذين يزعم الشيعة أنهم يتبعونه!
- الناظر في كُتُب الشيعة الاثني عشرية يجد أن علماءهم أخلُّوا بتوحيد الله سبحانه، وصاروا من دُعاة الشِّرْك، وأضلُّوا أتباعهم عن التوحيد، وزيَّنُوا لهم الشرك بالله بدعوى تعظيم آل البيت وحبِّهم، فصار منهم من يدعو عليًّا وفاطمة والحسين وغيرهم، ومعلوم أن علي بن أبي طالب وأهل البيت الأخيار لم يكونوا يدعون غير الله سبحانه، فهم يعملون بقول الله عز وجل: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، ويخشون الشرك الذي حذَّر الله منه جميع الأنبياء بقوله: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر: 65]، وإن تعجب فعجب ما في تفسير القمي (2/ 251) وهو عمدة تفاسير الشيعة القديمة، حيث فسَّر هذه الآية بقوله: “لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية عليٍّ من بعدك ليحبطن عملك”، ويُنظَر نحو هذا التفسير الفاسد الذي لا يستقيم مع سياق الآية وقواعد الشريعة في: أصول الكافي للكليني (1/ 427)، تفسير الصافي للكاشاني (4/ 328)، البرهان للبحراني (4/ 83).
براءة أهل البيت من غلوِّ الشيعة وأقوالهم البشعة:
افترى الشيعة على أهل البيت أقوالًا باطلة لا يمكن أن تصدر من أي مسلم، وهذه بعض النقولات الموجودة في الكتب المعتمدة عند الشيعة الاثني عشرية، التي يتبرَّأ منها كل مسلم عاقل، وحاشا أهل البيت أن يقولوا بها:
روى الكليني في كتابه أصول الكافي (2/ 244) الذي هو أصَحُّ كتب الحديث عند الشيعة عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر الباقر: جعلت فداك ما أقلَّنا! لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها! فقال: “ألا أُحدِّثك بأعجب من ذلك؟! المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا – وأشار بيده – ثلاثة”. قال المازندراني في شرحه: “ولعل المراد بالثلاثة: سلمان، وأبو ذَرٍّ، والمقداد”!
وقال المجلسي في كتابه حق اليقين (ص: 519): “وعقيدتنا أنَّنا نتبرَّأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، والنساء الأربع: عائشة، وحفصة، وهند، وأم الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم، وأنهم شَرُّ خَلْق الله على وجه الأرض، وأنه لا يتمُّ الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرُّؤ من أعدائهم”.
وذكر المجلسي حديثًا في كتابه بحار الأنوار (69/ 138) عن أبي حمزة الثمالي أنه سئل علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر فقال: “كافران، كافر مَنْ تولَّاهما”.
وقال الكركي في كتابه نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت (ص: 140): “مَنْ لم يجد في قلبه عداوة لعثمان بن عفان، ولم يستحل عرضه، ولم يعتقد كُفْره، فهو عدوٌّ لله ورسوله، كافر بما أنزل الله”.
فهذه أقوال غلاة الشيعة الاثني عشرية في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم خيار الناس بعد الأنبياء، فيصفونهم بالكُفْر والنِّفاق، وقد مدحهم الله في التوراة والإنجيل والقرآن كما في آخر سورة الفتح! وأثنى عليهم في آيات كثيرة في كتابه، وأخبر برضاه عنهم، والتوبة عليهم، ووعدهم بالمغفرة لذنوبهم، ومضاعفة حسناتهم، فهم الذين نقلوا لنا القرآن والسُّنَّة، وعلَّمُوا الأُمَّة، وفتحوا البلدان، ونشروا الإسلام، وقد وعد الله السابقين منهم واللاحقين بالجنة فقال سبحانه: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10]، فمن نُصدِّق: الله سبحانه أو الشيعة الكاذبون ﴿ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].
روى الكليني في كتاب أصول الكافي (1/ 143، 144) الذي هو أصحُّ كتب الحديث عند الشيعة عن أبي عبدالله في قول الله عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، قال: (نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملًا إلا بمعرفتنا).
وزعم الشيعة أن أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه قال: (أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله)؛ يُنظر: أصول الكافي للكليني (1/ 145)، بحار الأنوار للمجلسي (24/ 194).
وزعموا أن علي بن أبي طالب قال: (أنا وجه الله، وأنا جنب الله، وأنا الأوَّل، وأنا الآخر، وأنا الظَّاهر، وأنا الباطن)؛ يُنظَر: رجال الكشّي (ص: 221)، بحار الأنوار للمجلسي (94/ 180).
ورووا عن أبي جعفر الباقر أنه قال: (نحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، ونحن عين الله في خلقه، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده، عرفنا من عرفنا، وجهلنا من جهلنا)؛ يُنظر: أصول الكافي للكليني (1/ 143)، البرهان للبحراني (3/ 240).
وفي أصول الكافي للكليني (1/ 261) عن أبي عبدالله جعفر الصادق أنه قال: (إنِّي لأعلم ما في السَّماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنَّة، وأعلم ما في النَّار، وأعلم ما كان وما يكون).
ومما يتبرأ منه أهل البيت تكفير الشيعة لغيرهم من المسلمين، فالشيعة الاثنا عشرية يُكفِّرون عموم المسلمين ممن ليسوا من الشيعة الجعفرية الاثني عشرية، وينسبون ذلك كذبًا وزورًا للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته رضي الله عنهم، وهذه بعض النقول من كتب الشيعة المعتمدة:
ينسب الشيعة كذبًا وزورًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الأئمة من بعدي اثنا عشر؛ أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، من أنكر واحدًا منهم فقد أنكرني)؛ يُنظر: بحار الأنوار للمجلسي (27/ 62).
وقال ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه الاعتقادات (ص: 103): “واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده – عليهم السلام – أنه كمن جحد نبوَّة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقرَّ بأمير المؤمنين، وأنكر واحدًا ممَّن بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقَرَّ بجميع الأنبياء، وأنكر نبوَّة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم”.
وقال يوسف البحراني في كتابه الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة (18/ 153): “وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله، وبين مَنْ كَفَر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين”.
وقال محمد باقر المجلسي الذي يُلقِّبه الشيعة بالعَلَم العلَّامة الحُجَّة فخر الأُمَّة في كتابه بحار الأنوار (23/ 390): “اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على مَنْ لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضَّل عليهم غيرهم يدل أنهم مخلدون في النار”.
وقال المامقاني الملقب عند الشيعة بالعلامة الثاني في كتابه تنقيح المقال (1/ 208): “وغاية ما يُستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على من لم يكن اثني عشريًّا”.
وقال آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي في كتابه مصباح الفقاهة في المعاملات (2/ 11): “لا شبهة في كفرهم – أي المخالفين – لأن إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم والاعتقاد بخلافة غيرهم وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية… لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين”.
والواجب الحذر من تكفير المسلمين بلا برهان، والعلماء الراسخون يراعون ضوابط التكفير، ويعلمون أن للتكفير موانعَ مثل الجهل، وأنه لا بُدَّ من إقامة الحُجَّة على مَنْ وقع جهلًا من المسلمين في كُفْر اعتقادي أو عملي أو قولي، قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (11/ 407): “كثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثيرٌ من علوم النبوَّات حتى لا يبقى مَنْ يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكِتاب والحِكْمة، فلا يعلم كثيرًا ممَّا يبعث الله به رسولَه، ولا يكون هناك مَنْ يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يُكفَّر؛ ولهذا اتَّفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئًا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة؛ فإنه لا يُحكَم بكُفْره حتى يُعرَّف ما جاء به الرسول”.
رواية أهل السُّنَّة في كُتُبهم فضائل آل البيت:
كان المحدِّثون رحمهم الله يكتبون اﻷحاديث النبويَّة عن كل صحابي، وعن كل تابعي، وعن كل أتباع التابعين وتابعيهم، سواء كانوا من أهل البيت أو غيرهم، وسواء كانوا من الثقات أو غيرهم، فقد كان أهل الحديث يحرصون على كتابة العلم عن كل من له رواية، حتى لو كان ضعيفًا، ثم بعد جمعهم لطرق الأحاديث ومقارنتهم للروايات بعضها ببعض يتبيَّن لهم أحوال الرواة، فيعرفون الصادق والكاذب، والحافظ المتقن وضعيف الحفظ، ويُميِّزون بين صحيح الروايات وسقيمها.
وقد روى أهل الحديث رحمهم الله أحاديث كثيرة جدًّا عن علي بن أبي طالب وعن الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وزيد بن علي وغيرهم من أهل البيت رضي الله عنهم، فأهل الحديث كتبوا عن علماء أهل البيت كل ما وصل إليهم من أحاديثهم، ولم يفرطوا في شيء منها، ولو نظرت في مسند الإمام أحمد بن حنبل فستجد أنه روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أكثر مما روى عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعًا، فقد روى أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب 818 حديثًا، من الحديث رقم 562 إلى الحديث رقم 1380، بينما روى عن أبي بكر وعمر وعثمان جميعًا 561 حديثًا.
ويزعم بعض الشيعة أن المحدِّثين جامَلُوا بني أُميَّة فرووا أحاديث ترضيهم، وأعرضوا عن رواية الأحاديث التي لا ترضيهم، وهذه دعوى باطلة لا دليل عليها، ولا شَكَّ أن دين الله محفوظ، وأي حديث نبوي يحتاجه المسلمون في معرفة دينهم فهو محفوظ بحفظ الله لدينه، وممَّا يدل على بطلان دعوى مجاملة أهل الحديث لبني أمية أن دولة بني أمية انتهت سريعًا سنة 132 هجرية، وفي هذا التاريخ كان لا يزال بعض التابعين الذين رأوا الصحابة ورووا عن الصحابة مباشرة أحياء، مثل: هشام بن عروة بن الزبير، ويزيد بن أبي عبيد المدني، وحُميد الطويل البصري، وسليمان بن طرخان التيمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصم بن سليمان الأحول، وأبي حازم سلمة بن دينار، وعيسى بن طَهْمَانَ، وإسماعيل بن أبي خالد، وربيعة بن أبي عبدالرحمن المدني، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وأبي إسحاق الشيباني، وقاضي الكوفة عبدالله بن شبرمة الضبي، ونافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، عم الإمام مالك، وأبي عمرو بن العلاء أحد القُرَّاء السبعة وغيرهم، فهؤلاء التابعون طالت أعمارُهم حتى أدركوا الدولة العباسية، وقد عاش أيضًا في عهد الدولة العباسية بعض أحفاد الصحابة رضي الله عنهم، بل وبعض أبناء الصحابة مثل التابعي الجليل سعد بن طارق بن أَشْيَم الأشجعي المتوفى سنة 140 هجرية، وكان العلماء يروون في مساجدهم وفي بيوتهم الأحاديث النبويَّة بالأسانيد من قبل ذهاب دولة بني أمية ومن بعد ذهاب دولتهم، ولم يمنعهم من روايتها أحد من الملوك والأمراء، لا في عهد الدولة الأموية، ولا في عهد الدولة العباسية، فأي حديث صحيح فعلماء الحديث يروونه ويبينون صحَّته، سواء كان في العقائد أو الأحكام أو الفضائل أو الترغيب والترهيب، وأي حديث باطل فإن علماء الحديث يبينون بطلانه، حتى ولو كان في فضائل القرآن الكريم، والأحاديث الواردة في كُتُب السُّنَّة في فضائل أهل البيت كثيرة جدًّا، وسأقتصر هنا على ذكر بعضها اختصارًا:
- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فينا خطيبًا، بماء يدعى خُمًّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: ((أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به))، فحَثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: ((وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي))؛ رواه مسلم في صحيحه، رقم (2408). وهذا الحديث يدل بوضوح على أن المراد بالأخذ بالعترة هو محبَّتهم ومعرفة حقِّهم، وترك ظُلْمِهم، حيث أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته بالاستمساك بكتاب الله، ثم ذكَّرهم بحق أهل بيته، وكرَّر ذلك ثلاث مرات للتأكيد، وليس المراد به الغلو فيهم، ودعوى عصمتهم.
- عن أبي الطفيل الليثي رضي الله عنه قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خُمّ ما سمع، لما قام، فقام ناس كثير، فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: ((أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)) قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ((من كنت مولاه فعلِيٌّ مولاه، اللهم والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه))؛ رواه الإمام أحمد في مسنده (19302)، وصحَّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1750)، قال البيهقي في كتابه الاعتقاد ص 354: مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أنه لما بعث عليًّا إلى اليمن، وكثرت الشكاة منه، وأظهروا بغضه؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به، ومحبَّته إيَّاه، ويحثُّهم بذلك على محبَّتِه وموالاته، وترك معاداته، فقال: ((مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فعلِيٌّ مَوْلاهُ، اللهم والِ مَنْ وَالاه، وعادِ مَنْ عاداه))، والمراد به ولاء الإسلام ومودَّته، وعلى المسلمين أن يوالي بعضُهم بعضًا، لا يُعادي بعضُهم بعضًا؛ انتهى مختصرًا.
- عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ((يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي))؛ رواه الترمذي (3786) في سننه في باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وصحَّحَه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1761).
- عن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: ((يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدةَ نساء المؤمنين، أو سيِّدة نساء هذه الأمة؟!))؛ رواه البخاري (6285) ومسلم (2450).
- عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة))؛ رواه الترمذي في سننه (3768) في باب مناقب الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وصحَّحه الترمذي، وصحَّحه الأرناؤوط والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 423).
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة، وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله، إنك تحبُّهما، فقال: ((من أحبَّهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني))؛ رواه أحمد بن حنبل في مسنده (9673)، وصحَّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2895).
- عن عدي بن ثابت عن زِرِّ بن حبيش قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: والذي فَلَق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأُمِّي صلى الله عليه وسلم إليَّ: ((ألَّا يُحبَّني إلا مؤمن، ولا يُبغضني إلا منافق))؛ رواه مسلم في صحيحه رقم (78)، مع أن الراوي لهذا الحديث: عدي بن ثابت شيعي كما سيأتي بيانه؛ لكنه ثقة عند أهل الحديث؛ ولذلك روى مسلم حديثه في صحيحه.
قال العلماء في معنى هذا الحديث: لا يبغض عليًّا لدينه إلا منافق، كما أنه لا يبغض الأنصار لدينهم إلا منافق، ففي صحيح مسلم (74) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آيةُ المنافق بُغْضُ الأنصار، وآيةُ المؤمن حُبُّ الأنصار))، وليس من النِّفاق ما يحصل من كراهة بعض المسلمين لبعض لأجل دنيا، أو لتأويل قد يعذر صاحبه وقد لا يعذر؛ بل هذا بغي وظلم قد يقع من بعض المسلمين، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الحجرات: 9]، وليس الصحابة معصومين من أن يقع بينهم سباب ولعان وخصومة وقتال، وقد أخبر الله عن المؤمنين أنه يدخلهم الجنة، وينزع ما كان في صدورهم من غِلٍّ وأحقاد، فقال سبحانه: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]، وأمرنا الله أن نستغفر لذنوب الصحابة الذين سبقونا بالإيمان، فقال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
اللهم اهْدِنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، وجنِّبْنا طريق المغضوب عليهم والضالين، وأخرجنا من الظُّلُمات إلى النور برحمتك يا أرحم الراحمين.