مقالاتمقالات أخرى

أكد الله وقوع البعث ليزيل من النفس كل شك ويكشف عنها كل شبهة

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87].

تأمل قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، وكيف يقرر الله تعالى تلك الحقيقة العظيمة، وذلك الحدث الرهيب وهو جمع الخلائق جميعًا علويهم وسفليهم، الملائكة والأنس والجن والوحش وما لا نعلم من خلق الله تعالى، يجمعهم الله تعالى في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، للعرض على الملك الجبار!

وربما توهم متوهِّمٌ أن هذا الجمع العظيم لبعض الخلق دون بعض، لذلك صدَّر الله تعالى الآية ببيان تفرده بالألوهية، وأن ما سواه مخلوق له وعبدٌ ذليلٌ بين يديه تعالى، تجري عليه أقدار الله تعالى، ولا يستطيع لها دفعًا، ويشمله أمر الله تعالى ولا يملك له ردًّا؛ ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مَرْيَمَ: 93 -95]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47].

ولَمَّا جحَد كثيرٌ من الناس البعث بعد الموت، وأنكروا الحشر ولحساب، وتغافل عنه كثير ممن يؤمنون به أكد الله تعالى وقوعه باللام المؤطئة للقسم، فقال: ﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ﴾، ليزيل من النفس كل شك، ويكشف عنها كل شبهة، ثم أكَّد وقوعه بتعيين وقته وبيان غايته، فقال: ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، وعدِّي (يجمع) بـ (إلى) ليتضمن معنى (يحشر)، ثم أكد وقوعه تأكيدًا ثالثًا فقال: ﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾، فهو أمرٌ واقع لا محالة، ويقيني لا يتطرق إليه شك، ولا يخالطه ريب.

ثم أكده تأكيدًا رابعًا فقال: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾، وهو سؤال الغرض منه التقرير، فلا أصدق من الله قيلًا، ولا أصدق منه حديثًا، فما وعد به كائن لا محالة، وما أخبر به واقع لا ريب، لا راد لأمره ولا معقِّب لحكمه، ومع ذلك نرى ونسمع من يتبجح بإنكار البعث، ونفي الحساب والجزاء، وصدق الله: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى