الإلحادالمقالاتشبهات حول السنةشبهات وردود

أساليب “العقلانيين” في التعامل مع “السنة النبوية” (5)

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

ضَوابِطُ مُهِمَّةٌ ينبغي التَّنِبيه عليها:

  1.  ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ المدرسةَ العقليةَ مدرسةٌ كبيرةٌ ومُتَشَعِّبة؛ ونحن حين نتحدَّث عنها أو نُعارضها فيما ذهبتْ إليه من آراءٍ، أو فيما تبنَّت من أفكار؛ إنما نُحاكِمُ فِكْراً وننتقد رأيًا، ولا علاقة لنا بِشَخْصِ مَنْ نَطَقَ به أو تَبَنَّاه.
  1.  إنَّ أصحاب هذا الاتِّجاه ليسوا على نَمَطٍ واحدٍ، وليسوا على خَطٍّ واحد من حيث: المُنطَلقات والآليات والأهداف؛ فمنهم: مَنْ يتبنَّى الفِكْرَ الإسلامي ولا يرضى به بديلاً، ولكنه في خِضَمِّ سعيه إلى ذلك أخطأ في بعض الآراء والرُّؤى التي أقحم فيها العقلَ؛ ربما لِقِلَّةِ بضاعته في الحديث وعلومه، وربما رغبةً في رَدِّ مزاعِمَ وافتراءاتٍ ضِدَّ الإسلام، ومنهم: مَنْ يَغُوص في هذا الفِكر من مَنْبَتِ شَعْرِه حتى أَخْمَصِ قَدَميه، ولا نَشُكُّ في دِينه ولا في نِيَّتِه، وإنما نرد عليه ردًّا عِلْمِيًّا بعيداً عن أيِّ تَصَوُّرٍ مُسْبَقٍ، وبعيداً عن الشَّخْصَنَةِ المَقِيتة؛ فالأشخاص ينتهون وتبقى الأفكارُ؛ لذا كان التَّركيزُ على الفِكرة لا الشَّخْص.
  1.  إنَّ هؤلاء جميعاً تَجْمَعُ بينهم قَواسِمُ مُشْتَرَكة؛ مِثْلُ غُلُوِّهم في تعظيم العقل، وقولِهم بتقديمه على النَّقل عند تَوَهُّم التَّعارُضِ، ونحو ذلك.

ومن أهم أساليب “العقلانيين” في التعامل مع “السُّنة النبوية” ما يلي:

الأسلوب الثاني عشر: الطعن في رُواة الحديث “أبو هريرة أنموذجاً”:

ردَّد العقلانيون ما قاله المستشرقون من قبل؛ من طعن في رواة الحديث، ولا سيما المكثرين منهم؛ كأبي هريرة رضي الله عنه؛ بُغية التشكيك في الأحاديث بالطعن في رواتها، بل أنشأ هؤلاء العقلانيون شُبَهاً أخرى أكثر من ممَّا سبق في اتهام رواة الأحاديث بأمور لا ينبغي أن يُتهم فيها المسلم الثقة؛ فضلاً عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأتقياء الأنقياء، ولكي يطعنوا في جميع الرواة هاجم هؤلاء المُحْدَثون أبا هريرة رضي الله عنه – وهو أكثرُ الصحابة روايةً – واتَّهموه بأمور شنيعة؛ كي ينسحب الحُكم على باقي الرواة، ومن نماذج طعنهم في راوِيَة الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه:

  1. أورد “محمود أبو رية” حديثَ “خَلْق التُّربة” مثالاً على كذب أبي هريرة رضي الله عنه – ونصُّ الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي، فَقَالَ: (خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عليه السلام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ، وَفِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ؛ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ)1.

ثم قال معلِّقاً2: (من العجيب أنَّ أبا هريرة قد صرَّح في هذا الحديث بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أخذ بيده حين حدَّثه به – وإني لأتحدَّى الذين يزعمون في بلادنا أنهم على شيء من علم الحديث، وأنْ يُخرِجوا بعلمهم الواسع شيخَهم من الهُوَّة التي سقط فيها!

إنَّ الحديث صحيح السَّند على قواعدهم – لا خلاف في ذلك – وقد رواه مسلم في “صحيحه” ولم يُصرِّح من النبي فقط؛ بل زعم أنَّ رسول الله قد أخذ بيده وهو يحدِّثه به، وقد قضى أئمة الحديث بأنَّ هذا الحديث مأخوذ عن كعب الأحبار، وأنه مخالِف للكتاب العزيز، فمِثل هذه الرواية تعُدُّ – ولا ريب – كذباً صُراحاً، وافتراءً على رسول الله، فما حُكم مَنْ يأتِ بها؟ وهل تدخل تحت حُكم حديث الرسول: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)3. أم هنالك مخرج لراوي هذا الحديث بذاته!

إني واللهِ لفي حاجة إلى الانتفاع بعلمهم في هذا الحديث وحده الذي يكشف – ولا ريب – عن روايات أبي هريرة التي يجب الاحتياط في تصديقها)4.

  1. وادَّعى “محمود أبو رية” ضَعفَ ذاكرة أبي هريرة رضي الله عنه وكثرة نسيانه، فقال: (كان أبو هريرة يذكر عن نفسه أنه كان كثير النسيان لا تكاد ذاكرته تمسك شيئاً ممَّا يسمعه، ثم زعم أنَّ النبي دعا له فأصبح لا ينسى شيئاً يصل إلى أُذنه، وقد ذكر ذلك؛ لكي يسوِّغ كثرةَ أحاديثه، ويُثبِّت في أذهان السامعين صحة ما يرويه.

روى مسلم عن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: “إنكم تزعمون أنَّ أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله – والله والموعد – … – فذكر الحديث5… على أنَّ هذه الذاكرة القوية التي اختُصَّ بها أبو هريرة من دون الصحابة جميعاً.. بل من دون ما ذرأ الله من الطباع الإنسانية، قد خانته في مواضع كثيرة، وأنَّ ثوبه الذي بسطه قد تمزَّق فتناثر ما كان قد ضمَّه بين أطرافه). ثم أورد بعض الشبه المتراكمة في رأسه؛ مستدلاً بها على ضعف ذاكرة أبي هريرة وكثرة نسيانه6.

هكذا يستهزأ هذا الغِر على مَن حفظ لنا أحاديث رسول الله أبي هريرة رضي الله عنه!

  1. واتَّهم “محمود أبو رية” أبا هريرة رضي الله عنه بالتدليس، ثم بيَّن أنَّ حكم التدليس كله مذموم، وأنَّ من الحُفاظ مَنْ جَرَح مَنْ عُرِف بالتدليس.

ثم أورد – زوراً وبهتاناً- بعض الأمثلة التي تدل على تدليس أبي هريرة7.

وما ذكره “أبو رية” بألفاظه عن صحابي جليل؛ كأبي هريرة رضي الله عنه فيه إساءة أدبٍ، فهو يرمي سيِّدَه أبا هريرة رضي الله عنه بالتدليس والكذب المتعمَّد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتشبِّهاً بأعداء الملة، وهذا كلُّه لا يليق بمقام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إنه رضي الله عنه قد روى أحاديثَه على مرأى ومسمع كبار الصحابة، ولو علموا فيه ما عَلِمَ “أبو رية” – بعبقريته الفذَّة وبصيرته التي لا تدل إلاَّ على غباءٍ مُستحكم وجهل مُطبِق – لَمَا تركوه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولَعاقبوه على فعله، فهل يُظَنُّ بمثل أبي بكرٍ رضي الله عنه الذي جيَّش الجيوش لمحاربة المرتدِّين أنْ يترك مَنْ يهدم الدِّين ؟! كلا والله، إنَّ موقف الصحابة رضي الله عنهم من أبي هريرة، وتركهم إياه يروي أحاديثَ رسولِ الله لهي شهادة براءة مِمَّا نسبه إليه “أبو رية” وأمثاله.

أين “أبو رية” وأمثاله من تضحياتِ أبي هريرة رضي الله عنه بوقته وجُهدِه في سبيل إيصال هذه الأحاديث الشريفة، وهذا العلم العظيم إلى الأمة، ولقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، لاَ يَأْوُونَ عَلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ، وَاللهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ؛ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ)8.

وما زال أهل العلم – في جميع الأعصر – يُقَدِّرون أهلَ الصُّفة ويُحبُّونهم ويثنون عليهم ويحفظون لهم بذلهم وجهدهم في سبيل الله تعالى، وها هو أبو عبد الله الحاكم رحمه الله يقول – في الثناء على أهل الصفة: (تأمَّلتُ هذه الأخبارَ الواردةَ في أهل الصُّفة؛ فوجَدتهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم وَرَعاً وتوكُّلاً على الله عز وجل ومُلازمةً لخدمة اللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم، اختار اللهُ تعالى لهم ما اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ من المَسْكَنَة والفقر والتَّضرُّع لعبادة الله عز وجل، وتركِ الدنيا لأهلها، وهم الطائفة المُنتمية إليهم الصُّوفية قرناً بعد قرنٍ، فمَنْ جرى على سُنَّتِهم وصبرهِم على ترك الدنيا، والأُنس بالفقر، وتركِ التَّعرُّض للسُّؤال؛ فهم كلَّ عصرٍ بأهل الصفة مقتدون، وعلى خالقهم متوكلون)9.

ثم ذَكَرَ – في موضعٍ آخر: (وإنَّ مما أرجو من فضل الله عز وجل أنَّ كلَّ مَنْ جرى على سُنَّتِهم في التَّوكلِ والفقرِ إلى يوم القيامة؛ أنه منهم، ومِمَّنْ يُحشر معهم، وإنَّ كلَّ مَنْ أحبَّهم؛ وإنْ كان يرجع إلى دُنيا وثروةٍ فمَرْجُوٌّ له ذلك أيضاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”)10.

وإنني ما زلتُ عند رأيي الذي استودعته هذا الكتاب، وكتاب “عظمة السنة النبوية” وهو أنَّ أهل الصُّفة رضي الله عنهم، وعلى رأسهم أبو هريرة رضي الله عنه قد أسَّسوا أوَّل معهد علمي لجمع حديث رسول الله؛ ولذا تجد في ترجمة كثير من “الرُّواة” بأنه كان من “أهل الصُّفة” ، فهم رضي الله عنهم بحاجة إلى دراسة مُستقِلَّة مُستفيضة لبيان جهدهم ومعرفة فضلهم.

  1.  ومع كلِّ ما تقدم ذِكره في فضل أبي هريرة وأمانته العلمية وتضحياته؛ يزعم “أحمد أمين” أنَّ العلماء ردُّوا حديث أبي هريرة؛ لعدم فقهه، فقال: (والحنفية يتركون حديثه أحياناً إذا عارض القياس؛ كما فعلوا في حديث المصراة، فقد روى أبو هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ؛ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا؛ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ).11

قالوا: أبو هريرة غير فقيه، وهذا الحديث مُخالفٌ للأقيسة بأسرها؛ فإنَّ حَلْبَ اللبن تعدٍّ، وضمانُ التَّعدي يكون بالمِثل أو القيمة، والصَّاع من التمر ليس بواحد منها)12.

ويُجاب على هذا الأفَّاك بما قال ابن القيم رحمه الله: (وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله مُجمِعون على أنَّ مذهب أبي حنيفة: أنَّ ضعيف الحديث عنده أَولى من القياس والرأي، وعلى ذلك بنى مذهبه؛ كما قدَّم “حديثَ القهقهة” مع ضعفِه على القياس والرأي)13.

والحنفية أنفُسُهم – حينما توقَّفوا في بعض أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه – لم يتَّهموه بالكذب، ولم يطعنوا في عدالته، وإنما كان توقُّفُهم بناءً على أصلٍ من أصولهم لم يكن عندهم باتفاق. وهم مَحُجوجون في هذا؛ لأنَّ التفرقة بين الراوي والفقيه وغيره أمر مُستحدث لا عهد للسلف به14.

وجملة الشُّبه والتُّهم المُوَجَّة لأبي هريرة رضي الله عنه من هؤلاء الأفاكين – وهو منها براء15:

  1.  لم يسمع أكثر الأحاديث من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتأخُّر إسلامه، وإنما سمعها من الصحابة والتابعين.
  1.  اعترافه بأنه صَحِبَ النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ملء بطنه، فلم يكن مخلصاً في هذه الصحبة.
  1.  جَرَحَه كبارُ الصحابة، وشكُّوا في روايته لأجل إكثاره من الحديث، واتهمه بالكذب عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
  1. ضربه عمر رضي الله عنه بالدرة وأوعده – إن لم يترك الحديث – ليلحقنَّه بأرض دوس أو بأرض القردة؛ ولذا لم يُحدِّث إلاَّ بعد قتل عمر.
  1. كان كثير النسيان؛ لضعف ذاكرته، فاختلق قصةً؛ ليسوِّغ بها كثرة أحاديثه.
  1.  ذكر “أبو جعفر الإسكافي”16أنَّ معاوية حمله على وضْعِ أحاديث في عليّ17.
  1.  لم يكن له علم ولا فقه ولا رأي ولا نصيحة، ولذا لم يجعله عمر من أهل شورته.
  1. كان من عامة الصحابة، ولم يكن بينهم في العير والنفير، ولم يذكر في طبقة من طبقاتهم، ولم يرد في فضله حديث.
  1.  كانت به غفلة وسذاجة؛ ولذا استغلَّه أعداء الإسلام في بث الخرافات والأوهام في الدين الإسلامي.
  1.  انتهز الوُضَّاع كثرة أحاديثه فزوَّروا عليه أحاديث لا تُعد.
  1.  انفرد بأحاديث كانت موضع الإنكار لغرابتها، فصدَّقتها قلوب المسلمين.

ويكفي – في الرد على هؤلاء الأفَّاكين – بأنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان من فقهاء الصحابة وعلمائهم؛ إذْ لازمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاث سنوات فحفظ من أقواله وأفعاله ما لم يحفظ غيرُه ويشهد سِواه، وقد عمَّر بعد النبي صلى الله عليه وسلم طويلاً، ممَّا أتاح له أنْ يقف على كثير من المسائل والفتاوى التي كان يُفتِي بها كبار الصحابة رضي الله عنهم.

وكان من علماء الصحابة مَنْ يرجع إلى أبي هريرة في الفتوى؛ كابن عباس رضي الله عنهما الذي دفع إليه الفتوى لِمَا كان يعلمه من فقهه وسعة علمه؛ فقد روى الإمام مالك بسنده إلى معاوية بن أبي عياش الأنصاري؛ أنه كان جالساً مع عبد الله بن الزبير، وعاصم بن عمر بن الخطاب. قال: فجاءهما محمد بن إياس بن البكير، فقال: (إنَّ رجلاً من أهل البادية طلَّق امرأته ثلاثاً قبل أنْ يدخل بها، فماذا تَرَيان؟ فقال عبد الله بن الزبير: إنَّ هذا الأمر ما لنا فيه قول، فاذهبْ إلى عبد الله بن عباس، وأبي هريرة؛ فإني تركتهما عند عائشة فسَلْهُما، ثم ائتِنَا فأخْبِرنا. فذهب فسَأَلَهما، فقال ابنُ عباس لأبي هريرة: أفتِه يا أبا هريرة، فقد جاءتك مُعْضِلةٌ، فقال أبو هريرة: الواحدة تُبِينُها، والثلاثة تُحَرِّمها حتى تنكح زوجاً غيرَه. وقال ابن عباسٍ مِثلُ ذلك)18.

قال الذهبي رحمه الله: (احتج المسلمون قديماً وحديثاً بحديثه; لِحفظه وجلالته وإتقانه وفِقهه، وناهيك أنَّ مِثْلَ ابنِ عباسٍ يتأدَّب معه، ويقول: “أفت يا أبا هريرة”.

وأصح الأحاديث؛ ما جاء: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وما جاء: عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وما جاء: عن ابن عون، وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وأين مِثْلُ أبي هريرة في حِفظه وسعة عِلمه)19.

وقد ذكر ابنُ سعدٍ رحمه الله النفرَ من الصحابة الذي صارت إليهم الفتوى في المدينة، وهم: ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله 20رضي الله عنهم.

كما ذكره ابنُ حزم رحمه الله في المتوسِّطين من الصحابة الذين روي عنهم الفتيا، وذكر ذلك أيضاً ابنُ القيم رحمه الله21.

  1. رواه مسلم، (2/ 1181)، (ح 7231). ↩︎
  2. للرد على هذه الفرية: انظر: الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، (ص 190)؛ موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، (2/ 356). ↩︎
  3. رواه البخاري، (1/ 242)، (ح 1303)؛ ومسلم، (1/ 6)، (ح 5). ↩︎
  4. أضواء على السنة المحمدية، (ص 175-176). ↩︎
  5. رواه البخاري، (1/ 37)، (ح 34)؛ ومسلم، (4/ 1940)، (ح 2492). ↩︎
  6. أضواء على السنة المحمدية، (ص 177-179). ↩︎
  7. انظر: أضواء على السنة المحمدية، (ص 167-168). ↩︎
  8. رواه الترمذي، (2/ 632)، (ح 2665) وقال: (حسن صحيح). وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، (2/ 596)، (ح 2477). ↩︎
  9. المستدرك على الصحيحين، (3/ 16). ↩︎
  10. المصدر نفسه، (3/ 18) بتصرف يسير ↩︎
  11. رواه البخاري، (1/ 400)، (ح 2189) ↩︎
  12. فجر الإسلام، (ص 220). ↩︎
  13. إعلام الموقعين، (1/ 77). ↩︎
  14. انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، (2/ 380). ↩︎
  15. نظر: أضواء على السنة المحمدية، (ص 154-155، 166، 177، 190، 197)؛ مجلة المنار، (مجلد 29)، (ص 43)، (مجلد 19)، (ص 99)؛ فجر الإسلام، (ص 219-220). ↩︎
  16. هو محمد بن عبد الله أبو جعفر الإسكافي، من متكلِّمي المعتزلة، وأحد أئمتهم، وإليه تنسب الطائفة الإسكافية. وكان يتشيَّع. مات سنة (240 هـ). انظر: طبقات المعتزلة، (ص 74). ↩︎
  17. انظر: شرح نهج البلاغة، (4/ 63). ↩︎
  18. رواه مالك (في الموطأ) رواية يحيى الليثي (2/ 571)، (رقم 1182). ↩︎
  19. سير أعلام النبلاء، (2/ 609). ↩︎
  20. انظر: الطبقات الكبرى، (2/ 372). ↩︎
  21. [21] انظر: الإحكام في أصول الأحكام، (5/ 92)؛ إعلام الموقعين، (1/ 92). ↩︎
المصدر
الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى