أديان وفرق ومذاهبالإلحادالمقالاتشبهات حول السنةشبهات وردودمقالات

أساليب “العقلانيين” في التعامل مع “السنة النبوية” (4)

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

ضَوابِطُ مُهِمَّةٌ ينبغي التَّنِبيه عليها:

  1.  ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ المدرسةَ العقليةَ مدرسةٌ كبيرةٌ ومُتَشَعِّبة؛ ونحن حين نتحدَّث عنها أو نُعارضها فيما ذهبتْ إليه من آراءٍ، أو فيما تبنَّت من أفكار؛ إنما نُحاكِمُ فِكْراً وننتقد رأيًا، ولا علاقة لنا بِشَخْصِ مَنْ نَطَقَ به أو تَبَنَّاه.
  1.  إنَّ أصحاب هذا الاتِّجاه ليسوا على نَمَطٍ واحدٍ، وليسوا على خَطٍّ واحد من حيث: المُنطَلقات والآليات والأهداف؛ فمنهم: مَنْ يتبنَّى الفِكْرَ الإسلامي ولا يرضى به بديلاً، ولكنه في خِضَمِّ سعيه إلى ذلك أخطأ في بعض الآراء والرُّؤى التي أقحم فيها العقلَ؛ ربما لِقِلَّةِ بضاعته في الحديث وعلومه، وربما رغبةً في رَدِّ مزاعِمَ وافتراءاتٍ ضِدَّ الإسلام، ومنهم: مَنْ يَغُوص في هذا الفِكر من مَنْبَتِ شَعْرِه حتى أَخْمَصِ قَدَميه، ولا نَشُكُّ في دِينه ولا في نِيَّتِه، وإنما نرد عليه ردًّا عِلْمِيًّا بعيداً عن أيِّ تَصَوُّرٍ مُسْبَقٍ، وبعيداً عن الشَّخْصَنَةِ المَقِيتة؛ فالأشخاص ينتهون وتبقى الأفكارُ؛ لذا كان التَّركيزُ على الفِكرة لا الشَّخْص.
  1.  إنَّ هؤلاء جميعاً تَجْمَعُ بينهم قَواسِمُ مُشْتَرَكة؛ مِثْلُ غُلُوِّهم في تعظيم العقل، وقولِهم بتقديمه على النَّقل عند تَوَهُّم التَّعارُضِ، ونحو ذلك.

ومن أهم أساليب “العقلانيين” في التعامل مع “السُّنة النبوية” ما يلي:

الأسلوب التاسع: لا يُقْبَل الحديث إلاَّ بعد عَرْضِه على القرآن:

بعض العقلانيين يزعم أنَّ الاعتماد على القرآن وحده في فهم الإسلام، وأمَّا الحديث فلا يُقبل إلاَّ بعد عرضه على القرآن؛ فإن وافقه أخذوا به، وإن خالفه تركوه، ومما استدلوا به – في ترويج هذه الشبهة:

  1.  قوله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وبأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على عَرْضِ السُّنة على القرآن بقوله: (إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق فخذوه، وما خالف فاتركوه)1.
  1.  واستدل “محمد الغزالي” على تعزيز هذه الشبهة بقوله: (انظر موقف عائشة رضي الله عنها عندما سمعت حديث: “إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ”2، لقد أنكرَتْه، وحلفَتْ أنَّ الرسولَ ما قاله. وقالت: بياناً لرفضها إياه – أين منكم قول الله سبحانه: ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].

إنها تردُّ ما يخالف القرآن بجرأة وثقة، ومع ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة ما يزال مثبتاً في “الصحاح” بل إنَّ “ابن سعد” في “طبقاته الكبرى” كرَّره في بضعة أسانيد.. وعندي أنَّ ذلك المسلك الذي سلكَتْه أمُّ المؤمنين أساسٌ لمحاكمة “الصحاح” إلى نصوص الكتاب الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

من أجل ذلك كان أئمة الفقه الإسلامي يُقرِّرون الأحكام وَفق اجتهادٍ رحِب، يعتمدون على القرآن أولاً، فإذا وجدوا في ركام المرويات 3ما يتَّسق معه قَبِلوه، وإلاَّ فالقرآن أَولى بالاتباع)4.

مُحاكمة قول “محمد الغزالي”:

في خِضَمِّ حديث “الغزالي” عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها نَسِيَ أنَّ الذي أَورَد الحديثَ هم أصحابُ الصِّحاح؛ كالبخاري ومسلم، ولو أنهم رضي الله عنهم يُعارِضون ما ذهبتْ إليه أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها لَمَا أثبتوه في “الصحيح” كي لا يُتَّخَذَ ذريعةً للهجوم عليهم، وإنما لأمانتهم العلمية أوردوه؛ كما أوردوا العشرات من الأحاديث الصحيحة التي ربما تَجُرُّ عليهم من النقد الكثير، لا لشيء إلاَّ لثبوت صِحَّتِها، وهذا يدفع عن أهل الحديث الهوى، ويؤكِّد التزامهم منهجاً مُطَّرداً لا يَبغون عنه حِوَلاً، ولا يَرُومُون من ورائه إلاَّ الحق.

أمَّا استخراج فقه الحديث، فهذا بحقٍّ – في الغالب – عمل الفقيه الذي يملك أدوات الفقه؛ من أصول الفقه وقواعده، وأصول الشريعة ومقاصدها، فهذا يقع عليه عبء استخراج فقهه، وهذا ما أشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: (نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حتى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هو أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيسَ بِفَقِيهٍ).5

  1.  ويؤيد “د. محمد عمارة” الاتجاه العقلاني بقوله: (إذا وجدتُ حديثاً منسوباً إلى رواةٍ عدول لا أُلجِمُ عقلي وأمنعه من النظر بحجَّة أنَّ السند هو كل شيء؛ لأنه لا بد أن يكون لعقلي مجال في المتن، ولا بد أنْ أُحاكم هذا الذي هو ظني الثبوت إلى ما هو قطعي الثبوت، وهو كتاب الله وحقائق العلم)6.

وترتَّب على هذا المنهج المعوج الإعراض عن كثير من الأمور الشرعية التي لم يأت تفصيلها إلاَّ في السنة المباركة، وهم بذلك قد خالفوا القرآن نفسه؛ إذ لم يأخذوا بكل ما جاء في القرآن الذي أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عند حكمه، فهم انتقائيون يأخذون من النصوص ما وافق أهواءهم ويتركون ما لم يوافق.

وقد أجمعت الأمة على أنَّ “الحديث الصحيح” لا يُخالف القرآن أبداً؛ لأنَّ السنة وحي من عند الله تعالى كالقرآن، وهي محفوظة كالقرآن، وبيانٌ للقرآن أيضاً؛ كما قال تعالى: ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]7.

وما فعلته عائشة رضي الله عنها اجتهاد منها وهو معارَض بالنص الصحيح، والنصُّ مُقدَّم على اجتهاد الصحابي مهما بلغ من العلم والفقه، ولم تُتابع عائشة رضي الله عنها على هذا الاجتهاد لا من المحدِّثين ولا من الفقهاء، ولم تَجْعَلْ ذلك منهجاً لها في ردِّ الأحاديث والاعتراض عليها كما فهم “الغزالي” 8.

الأسلوب العاشر: الاعتماد على “السُّنَن العَمَلِيَّة” دون “القَوْلِيَّة”:

من المُسلَّمات – عند أهل العلم قديماً وحديثاً – أنَّ السنة تشمل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، وتطلق على الأحاديث المتواترة والآحاد على حدٍّ سواء، لكن بعض هؤلاء العقلانيين ادَّعى بأنَّ السنة “هي السنة العملية المتواترة فقط” دون غيرها من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وتقريراته، وممَّا سطَّرته أقلامهم في ذلك: ما زعمه “محمود أبو رية” بقوله: (وسنن الرسول المتواترة، وهي السنن العملية – وما أجمع عليه مسلمو الصدر الأوَّل، وكان معلوماً عندهم بالضرورة – كلُّ ذلك قطعي لا يسع أحد جحده أو رفضه تأويلٍ ولا اجتهادٍ؛ ككون الصلاة المعروفة خمساً… هذه هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمَّا إطلاقها على ما يشمل الأحاديث فاصطلاح حادث)9.

إنَّ إطلاق السُّنة على “الأحاديث القولية” ليس اصطلاحاً حادثاً – كما يزعمون – وإنما هو أمر مستقر عند الصدر الأول، ولو قُصِرَت السُّنة على “المتواترة العملية” لَعُطِّلَتْ كثير من “الأحاديث القولية” التي نُقِلت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جميع جوانب الدِّين؛ في العقائد والعبادات والأحكام والأخلاق والمواعظ وغيرها10.

والسؤال؛ هل استغرقت السُّنة العملية كلَّ أحكام القرآن؟! بالقطع: لا، إلاَّ بإضافة السُّنة القولية والتقريرية إليها، فردُّها أو إنكارها إنما هو هدم لهذا الدِّين. ويأبى اللهُ سبحانه إلاَّ أنْ يُتِمَّ هذا الدِّين.

والعجب كلُّ العجبِ من قومٍ يُريدون إلغاء سُنَّةٍ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فهم القرآن وتفسيره أو في بيان أحكام الدِّين وشرعه، مُدَّعين ضرورة إعمال العقل والاعتماد عليه في فهم القرآن واستنباط أحكام الدِّين، فيؤخِّرون صاحب الشريعة، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ويُقدِّمون العقلَ عليه، وكأنَّهم يزعمون أنَّ رجاحةَ عقولهم وقوَّة أفهامهم أشدُّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوى منه!

الأسلوب الحادي عشر: التَّشْكِيك في “عدالة الصَّحابة”:

شكَّك بعض العقلانيين في عدالة الصحابة رضي الله عنهم وادَّعى – بكل جرأة – بأنهم مِثلُ سائر البشر يقعون في الغلط والنسيان والسهو بل والهوى، وقد ارتد كثير منهم عن دينه بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ووقعت بينهم حروب وفِتن أهلكت الحرث والنسل، وممَّا سطَّرته أقلامهم:

  1.  ما زعمه “محمود أبو رية” بقوله: (إنهم – أي: العلماء – جعلوا جرح الرواة وتعديلهم واجباً تطبيقه على كلِّ راوٍ، مهما كان قدره، فإنهم قد وقفوا دون عتبة الصحابة فلم يتجاوزوها؛ إذ اعتبروهم جميعاً عدولاً لا يجوز عليهم نقد، ولا يتَّجه إليهم تجريح، ومن قولهم في ذلك: “إنَّ بساطهم قد طوي”. ومن العجيب أنهم يقفون هذا الموقف، على حين أنَّ الصحابة أنفسهم قد انتقد بعضُهم بعضاً)11.

وادَّعى أيضاً: (وإذا كان الجمهور على أنَّ الصحابة كلهم عدول، ولم يقبلوا “الجرح والتعديل” فيهم؛ كما قبِلوه في سائر الرواة، واعتبروهم جميعاً معصومين من “الخطأ والسهو والنسيان”. فإنَّ هناك كثيراً من المحققين لم يأخذوا بهذه العدالة “المطلقة” لجميع الصحابة، وإنما قالوا: إنها أغلبية لا عامة، وأنه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو، بل والهوى، ويؤيِّدون رأيهم بأنَّ الصحابة إنْ هم إلاَّ بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم، مما يرجع إلى الطبيعة البشرية…

ويُعزِّزون حُكْمَهم بمَنْ كان منهم في عهده – صلوات الله عليه – من المنافقين والكذابين، وبأنَّ كثيراً منهم قد ارتدَّ عن دينه بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، بله ما وقع منهم من الحروب والفتن التي أهلكت الحرث والنسل، ولا تزال آثارها – ولن تزال إلى اليوم وما بعد اليوم، وكأنَّ الرسول – صلوات الله عليه – قد رأى بعين بصيرته النافذة ما سيقع من أصحابه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فقال: “لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ”12

إذاً، ما المطلوب منَّا يا علاَّمةَ العصر وفريدَ الدَّهر؟! هل يُطلب منَّا أنْ نستدل بما أوردته من حديثٍ على كفر الصحابة؛ لأنهم ضربوا أعناق بعض؟!13

ومَنْ زعم – يا فلتة الزمان – من علماء الإسلام أنَّ الصحابة رضي الله عنهم معصومون من الخطأ؟! إنَّ الصحابة رضي الله عنهم بشر، يُصيبون ويُخطؤون، ولكن هل يُمكن لأحدهم مِمَّن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يكذب عليه، أو أنْ ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله؟!

أمَّا هذه، فلا، وهذا هو وجه تعديل الصحابة الكرام، فهم عدول في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يمكن بحالٍ أنْ يكذبوا عليه.

وهل تستكثر على الله سبحانه أنْ يختار لنبيِّه صلى الله عليه وسلم مَنْ يحمل أمانةَ التبليغ عنه إلى مَنْ جاءوا بعده؟! ألم يُخبرْنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)14.

وإنَّ من تمكين الله لهذا الدِّين ولإظهاره على غيره أنْ قيَّضَ لرسوله صلى الله عليه وسلم أفذاذاً، بذلوا الغالي والنَّفيس من أجل عقيدتهم، أليس هذا هو وعد الله الذي وعد عباده؟

  1.  وقال “أحمد أمين”: (ويظهر أنَّ الصحابة أنفسهم كان يضع بعضُهم بعضاً موضع النقد، ويُنزِلون بعضاً منزلةً أسمى من بعض، فقد رأيتَ قبلُ أنَّ منهم مَنْ كان إذا رُوِيَ له حديث طلب من المُحدِّث برهاناً)15. وهذه أيضاً تُحْسَبُ لهم لا عليهم، فالتَّثبُّت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم دِينٌ لا يقبلونه إلاَّ بدقَّة وأمانة وبرهان.

ولا ريب أنَّ الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول، والمراد بعدالتهم: أنهم لا يتعمَّدون الكذب؛ لقوة إيمانهم وحسن أخلاقهم، وهم ليسوا معصومين من المعاصي أو السهو والغلط، إذ العصمة لا تكون إلاَّ للأنبياء، ولم يقل أحد من أهل العلم بعصمتهم، وعدم العصمة لا ينافي العدالة16.

قال ابن تيمية رحمه الله: (فلا يُعرف من الصحابة مَنْ كان يتعمَّد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنْ كان فيهم مَنْ له ذنوب، لكن هذا الباب مِمَّا عصمَهم اللهُ فيه من تعمُّد الكذب على نبيِّهم)17.

ولا تُقاس حال الصحابة رضي الله عنهم بحال الرواة الآخرين، لكي تُقبل روايتهم أو تُرد؛ لأنَّ شَرْطَي قبول الرواية متوافران فيهم، وهما العدالة والضبط.

قال ابن حبان رحمه الله: (فإنْ قال قائل: فكيف جَرَحْتَ مَنْ بعدَ الصحابة؟ وأبيتَ ذلك في الصحابة، والسهوُ والخطأ موجود في أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما وُجِدَ فيمَنْ بعدهم من المُحدِّثين؟ يقال له: إنَّ الله – عز وجل – نزَّه أقدارَ أصحابِ رسوله عن ثَلْبِ قادح، وصانَ أقدارَهم عن وقيعةِ مُتَنَقِّصٍ، وجعلهم كالنجوم يُقتدى بهم… مَنْ شَهِدَ التنزيل، وصَحِبَ الرسول صلى الله عليه وسلم فالثَّلْبُ لهم غير حلال، والقدحُ فيهم ضِدُّ الإيمان، والتنقيصُ لأحدهم نَفْسُ النفاق؛ لأنهم خير الناس قرناً بعد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم… وإنَّ مَنْ تولَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إيداعهم ما ولاَّه اللهُ بيانه الناس لَبِالحَرِيِّ من أن لا يُجرَح؛ لأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُودِعْ أصحابَه الرسالةَ، وأمرَهم أنْ يُبلِّغ الشاهدُ الغائبَ إلاَّ وهم عنده صادقون جائزو الشهادة، ولو لم يكونوا كذلك لم يأمرهم بتبليغ مَن بعدهم ما شهدوا منه؛ لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدحاً في الرسالة، وكفى بِمَنْ عدَّله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شرفاً، وإنَّ مَنْ بعدَ الصحابة ليسوا كذلك؛ لأنَّ الصحابي إذا أدَّى إلى مَنْ بعده؛ يحتمل أنْ يكون المُبَلَّغُ إليه منافقاً، أو مبتدعاً ضالاًّ يُنقِصُ من الخبر أو يزيد فيه؛ لِيُضِلَّ به العالَمَ من الناس، فمِنْ أجلِه ما فرَّقنا بينهم وبين الصحابة، إذْ صان اللهُ – عز وجل – أقدارَ الصحابة عن البدع والضلال)18.

والذي ارتدَّ عن الإسلام ومات على الردة؛ لا يُعدُّ صحابياً؛ لأنه يُشترط في الصحابي أنْ يلقى النبيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ويموت على الإسلام.

ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم يُكذِّب بعضُهم بعضاً؛ بل لم يكن أحدُهم يتَّهم الآخَر بالكذب، بل كانت الثقة موفورة بينهم، ولا يمنع ذلك أن يُراجِع بعضُهم بعضاً في بعض الأمور، إذ الخطأ والنسيان والسهو واردٌ فيهم؛ لأنهم بشر.

عن قتادة إنَّ أنساً رضي الله عنه حدَّث بحديثٍ فقال له رجل: (أأنتَ سَمِعْتَه من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، أو حدَّثني مَنْ لا يَكذِبني، إنَّا واللهِ ما كُنَّا نَكْذِبُ، ولاَ ندري ما الكَذِبُ)19.

  1. أورده الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)، (13/ 658) وقال: (صرح بعض أئمتنا بأنه حديث باطل، من وضع الزنادقة). ↩︎
  2. رواه البخاري، (1/ 245)، (ح 1316)؛ ومسلم، (1/ 363)، (ح 2181) ↩︎
  3. هذا التعبير فيه سوء أدب مع روايات السنة النبوية! ↩︎
  4. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، محمد الغزالي (ص 18). ↩︎
  5. رواه أبو داود، (3/ 322)، (ح 3660)، والترمذي، (5/ 33)، (ح 2356) وحسنه. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (2/ 411)، (ح 3660). ↩︎
  6. جريدة المسلمون، (عدد: 276)، (السنة السادسة)، (ص 11). ↩︎
  7. لمعرفة (أن السنة وحي كالقرآن، وهي بيانٌ للقرآن) انظر: عظمة السنة النبوية، (ص 28- 39). ↩︎
  8. انظر: دفاع عن السنة ورد شبهة المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين، د. محمد أبو شهبة (ص 135)؛ موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، (2/ 317). ↩︎
  9. أضواء على السنة المحمدية، (ص 351) ↩︎
  10. انظر: دفاع عن السنة ورد شبهة المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين، (ص 291) ↩︎
  11. أضواء على السنة المحمدية، (ص 310). ↩︎
  12. رواه البخاري، (1/ 31)، (ح 121)، ومسلم، (1/ 47)، (ح 232). ↩︎
  13. أضواء على السنة المحمدية، (ص 322-323) بتصرف يسير. ↩︎
  14. رواه البخاري، واللفظ له، (2/ 938)، (ح 2509)؛ ومسلم، (4/ 1963)، (ح 2533). ↩︎
  15. فجر الإسلام، (ص 216) ↩︎
  16. انظر: دفاع عن السنة ورد شبهة المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين، (ص 109) ↩︎
  17. الرد على الأخنائي واستحباب زيارة خير البرية الزيارة الشرعية، (ص 103-104). ↩︎
  18. المجروحين، (1/ 33-34). ↩︎
  19. رواه البزار في (مسنده)، (13/ 482)، (رقم 7288). ↩︎
زر الذهاب إلى الأعلى