آية الله ( بين المسيح والخميني )
بين المسيح والنبي محمد في القرآن والإنجيل (14)
حقائق الإسلام الدامغة وشبهات خصومه الفارغة
الرد على ضلالات زكريا بطرس
آية الله
• يسمِّي الوحي حسب القرآن المسيح: “آية الله”؛ لأن الله جعَله وأمه آية للعالمين؛ ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91]، ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ﴾ [مريم: 21]، ولم يتلقَّ المسيح هذا اللقب الفريد من البشر، بل من الله مباشرة، ولم يحصُل على لقب “آية الله” لأجل دراساته العليا، بل كان منذ الولادة في هذه الصفة البارزة، يعرِف الإسلام – وخاصة الشيعة – علماء كثيرين يحملون “اللقب” آية الله”، وغالى الشيعة في إكرام آية الله خميني؛ إذ قال البعض منهم: إنه قائدهم والروح القدس، يظهَر أن للمسيحيين حسب القرآن “آية الله” خاص، كما أن الشيعة يدَّعون أن لهم آية الله، فما هو الفرق بينهما؟ إنما المسيح شفى المرضى وبارَك الأعداء، وجعل سلامًا بين الله والبشر، وخلَّص ملايين من عذاب يوم الدِّين، أما آية الله خميني، فحرَّض المسلمين لحربين مع العراق وفي أفغانستان، فمات الملايين، وكان الخميني يوافِق على قتْل آلاف الأبرياء من أهل إيران، وكان يلعَن الغرب والشرق، ما أعظم الفرق بين آية الله المسيحي وآية الله الشيعي، لقد اغتاظ علماء السُّنة من آية الله الخميني؛ لأنه قَبِل ألقابًا لم يستحقَّها حتى محمد! فأجمَع بعض العلماء من عدة بلدان عربية في مؤتمر بالدار البيضاء بقرارهم: إنه يجب على آية الله خميني أن يمنَع أتباعه من أن يُسمُّوه: “روح الله” أو “روح القدس”، وإلا فإنه يُحْرَم من الإسلام؛ لأنَّ شخصًا واحدًا في الدنيا والآخرة يستحقُّ أن يسمِّي نفسه: “روح القدس”، ألا وهو ابن مريم المولود من روح الله، إن كان آية الله خميني قائدًا خاصًّا للفُرْس والشيعة أجمعين، فإنَّ الله عيَّن للمسيح بدعوة أوسع وسمَّاه آية لجميع الناس، فليس ابن مريم آية الله للمسيحيين أو لليهود فحسْب، بل أيضًا للهندوسيين والبوذيين، والكنفوشيين وللمُلحدين وللمسلمين، فمن يتعمَّق في المسيح، يُدرِك أنه آية الله الكامل لكل الناس.
• لا أظن أن هذا الواعظ جادٌّ حين يقول: إن علماء المسلمين قد نبَّهوا الخميني إلى أن هناك واحدًا فقط يصحُّ تلقيبه بالروح القدس هو السيد المسيح! ذلك أن روح القدس في الإسلام ليس هو عيسى ابن مريم، بل هو جبريل – عليه السلام – وقد ذكَر الله تعالى في القرآن أنه أيَّد عبده المسيح بروح القدس، مما يدلُّ على أنهما شيئان مختلفان (البقرة/ 87، 253، والمائدة/ 110).
ولا أدري من أين أتى واعظنا المِفضال بكلامه هذا، لكني في ذات الوقت لا أسوِّي الخميني ولا يمكن أن أُسَوِّيَه أبدًا بالمسيح – عليه السلام – ولا بأي نبي، الخميني مجرَّد عالِم من علماء الشيعة، أما المسيح، فنبيٌّ اصطفاه الله على عينه، علاوة على أن مكانة النبي عند الله معروفة، وكذلك مصيره في الدار الآخرة.
وما كنا نحب أن يتَدهدى السيد الواعظ إلى هذا الدَّرك في المقارنة بين المسيح والخميني؛ إذ لا يصحُّ ولا يجوز ولا يليق، لا من باب الدين ولا من باب العقل ولا من باب الذوق، أن نقارِن الأنبياء على هذا النحو بغيرهم من البشر العاديين مهما بلَغوا من المكانة بين أقوامهم، ومع ذلك فبالنسبة إلى ما ذكَره الواعظ من أن الخميني كان يلعَن الشرق والغرب، فقد رأينا عيسى – عليه السلام – في الأناجيل يوزِّع لعَناته وشتائمه ذات الشرق وذات الغرب هو أيضًا، رغم أني لا أصدِّق أنه – عليه الصلاة والسلام – كان بهذه الحِدة، ولا بهذا الانفلات في اللسان، وهنا أرجو أن يتنبَّه القراء إلى أنني حين أقول شيئًا عن المسيح لا يَقبله الضمير المسلم، فإنني أستمدُّه من الأناجيل التي لا أوافِق بطبيعة الحال على كثير مما ورَد فيها، لكنني أحاجُّ الواعظ بما في كتابه المقدس ليس إلاَّ، أما عقيدتي فيه – عليه السلام – فهي أنه نبي كريم طاهر، مبرَّأ من كل ما يُنسَب له مما لا يَليق بمن اختارهم الله أنبياءَ ورسلاً، كما أنه لم يَعْدُ طوره يومًا، فيزعم أنه إله أو ابن للإله، فأرجو أن يكون ذلك مفهومًا.
وتعليقًا على ما جاء في هذه الفقرة من أن القرآن قد وصَف عيسى – عليه السلام – بأنه “آية” نقول: إن كتاب الله قد وصَف أيضًا أشياءَ أخرى كثيرة بأنها “آية”: منها ما رآه محمد في مِعراجه إلى سِدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى، ومنها جنَّتَا سبأ، وناقة صالح، ويد موسى وعصاه، ومنها الطوفان والجراد، والقُمَّل والضفادع والدم، التي عاقب الله بها فرعون وملأه، ومنها الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم، والبرق والرعد، والرياح والسحاب والمطر، والشجر والدواب، والبحار والسفن، واختلاف ألوان البشر ولغاتهم، أما دعوى الواعظ المسكين بأن المسيح هو البشر الوحيد الذي قيل في القرآن: إنه (آية) للناس، فهي دعوى خاطئة خطأً أَبلَقَ؛ ففي القرآن أن رجلاً مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، واستغرَب كيف يُحييها الله بعد موتها؟! فأماته – سبحانه – مائة عام ثم بعَثه، ثم أمرَه أن ينظر إلى طعامه وشرابه وحماره، كيف لم يتغيَّر شيء منها؟! وإلى العظام كيف يُنشِزها – سبحانه – ثم يكسوها لحمًا؟ وكذلك إلى نفسه، قائلاً له: إنه جاعِله (آية للناس)؛ ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259]، وهناك آية بشرية أيضًا، ذكَرها القرآن في قوله -تعالى-: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 13]، فضلاً عن الآيات المتمثِّلة في يوسف وإخوته: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7]، وآيات أصحاب الكهف: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ [الكهف: 9]، وكذلك الآيات التي قال -تعالى-: إنه سيُريها للكفار في أنفسهم: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]، وقبل ذلك كله آية خَلْق البشر من التراب، وآية خلق أزواج لهم من أنفسهم؛ أي: إن كل واحد من البشر ذكرًا كان أو أنثى، وليس عيسى وحدَه، هو في حدِّ ذاته (آية): ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 20 – 21]، ومعنى ذلك أن واعظنا الطيب يحشُر نفسه في مآزِقَ ما كان أغناه عنها، وعمَّا يترتَّب عليها من إحراجٍ شديدٍ له، وهتْكٌ للستر الذي كان قمينًا أن يظَل مُغطِّيًا عورته لو مَلَك لسانه، ولم يتهوَّر ويلقِ بنفسه في المعاطب!
ولا يَقتصِر ذكْر الآيات البشرية على القرآن الشريف، بل نجدها أيضًا في الكتاب المقدس مما يجعلنا نتساءل: أإلى هذا الحد يجهَل نيافة واعظنا الطيب – الذي على نياته – كتابه المقدس؟ أم تُراه يعرِف ما فيه، لكنَّه يكتمه؛ كي يُحرِز نقطة لصالحه بالباطل ضد المسلمين؟
سواء كان هذا أو ذاك، فها هي ذي بعض النصوص التي تتحدَّث عن الآيات البشرية في الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد: جاء في الإصحاح الثاني من سِفر الملوك الثاني: “11وفيما هما يسيران ويتكلَّمان، إذا مركبة من نار وخيل من نار فصَلَت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء، 12وكان أليشع يرى وهو يصرخ: “يا أبي، يا أبي، مركَبة إسرائيل وفُرسانها”، ولم يره بعد”، ويقول داود (مزمور: 71): “7صرْتُ كآية لكثيرين”، وفي الإصحاح العشرين من سِفر إشعياء نقرأ: “2في ذلك الوقت تكلَّم الرب عن يد إشعياء بن آموص قائلاً: “اذهب وحُلَّ المِسح عن حِقويك، واخلَع حذاءك عن رجليك”، ففعَل هكذا، ومشى مُعرًّى وحافيًا، 3 فقال الرب: “كما مشى عبدي إشعياء مُعرًّى وحافيًا ثلاث سنين، آية وأعجوبة على مصر وعلى كوش، 4 هكذا يسوق ملك أشور سَبي مصر وجلاء كوش، الفتيان والشيوخ، عُراة وحُفاة ومكشوفي الأَسْتاه خزيًا لمصر، 5 فيرتاعُون ويخجَلون من أجل كوش رجائهم، ومن أجل مصر فخْرهم”، وفي الإصحاح الثاني عشر من سِفر حزقيال يُقابِلنا النَّصان التاليان مَنسوبَين لله، يُخاطِب فيهما – سبحانه – حزقيال نفسه: “6 واحمِل على كَتِفك قدَّام عيونهم، في العَتَمة تخرِجها، تُغطِّي وجهك فلا ترى الأرض؛ لأني جعلتُك آية لبيت إسرائيل”، “11قل: أنا آية لكم، كما صنعت هكذا يُصنع بهم”، وفي الإصحاح الرابع عشر، والمتكلِّم هو الله: “7لأن كل إنسان من بيت إسرائيل أو من الغرباء المتغرِّبين في إسرائيل، إذا ارتدَّ عني وأصعَد أصنامه إلى قلبه، ووضَع مَعثَرة إثمه تِلقاء وجهه، ثم جاء إلى النبي ليسأله عني، فإني أنا الرب أجيبه بنفسي، 8 وأجعل وجهي ضد ذلك الإنسان وأجعله آية ومَثلاً”، وفي الإصحاح الرابع والعشرين، والمتكلِّم أيضًا هو الله: “23 تَئنُّون بعضكم على بعض، 24ويكون حزقيال لكم آية، 27في ذلك اليوم ينفتح فمك للمُنفلِت وتتكلم، ولا تكون من بعدُ أبكم، وتكون لهم آية، فيعلمون أنِّي أنا الرب، وفي الإصحاح الثالث من سفر زكريا، والمتكلِّم هو الملاك: “8 فاسمَع يا يهوشع الكاهن العظيم أنت ورفقاؤك الجالِسون أمامك، لأنهم رجال آية؛ لأني هأنذا آتي بعبدي “الغصن”، 9 فهوذا الحجر الذي وضعتُه قدام يهوشع على حجر واحد سبع أعيُن، هأنذا ناقشٌ نقشه، يقول رب الجنود، وأُزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد، وفي الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى يقول عيسى ابن مريم – عليه السلام -: “38حينئذ أجاب قوم من الكَتبة والفريسيين قائلين: “يا معلِّم، نريد أن نرى منك آية”، 39فأجاب وقال لهم: “جيل شرير وفاسق يطلُب آية، ولا تُعطى له آية إلا آية يونان النبي؛ 40 لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال”، وهو ما تكرَّر في الإصحاح السادس عشر من نفس الإنجيل: “1وجاء إليه الفريسيون والصدوقيون ليُجرِّبوه، فسألوه أن يُريهم آية من السماء، 2فأجاب وقال لهم: “إذا كان المساء قلتُم: صَحو لأن السماء محمَرَّة، 3وفي الصباح: اليوم شتاء لأن السماء محمرة بِعُبُوسةٍ، يا مراؤون! تعرفون أن تُميِّزوا وجه السماء، وأما علامات الأزمنة، فلا تستطيعون! 4جيل شرير فاسق يلتمس آية، ولا تُعطى له آية إلا آية يونان النبي”، وكذلك في الإصحاح الحادي عشر من إنجيل لوقا: “29وفيما كان الجُموع مزدحمين، ابتدأ يقول: “هذا الجيل شرير، يطلب آية، ولا تُعطى له آية إلا آية يونان النبي؛ 30 لأنه كما كان يونان آية لأهل نِينَوَى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضًا لهذا الجيل”، ولا ننسَ بوجهٍ خاص الموتى الذين أعادهم السيد المسيح إلى الحياة كَرة أخرى بإذن الله، فهم من أعظم الآيات البشرية، وأخيرًا في الإصحاح الثاني عشر من سِفر الرؤيا: “1وظهرت آية عظيمة في السماء: امرأة مُتسربِلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثنَيْ عشر كوكبًا، 2وهي حُبلى تصرُخ مُتمخِّضة ومتوجِّعة لِتلد”.