أدعياء التنويرالشبهات والردودالمقالاتشبهات أخرىشبهات وردود

في كُتُب التراث مَنْ قَتَلَ امرأةً عَمْدًا لا يُقتل بها إِجْمَاعًا!

(56) زعم البحيري: أنّه في كُتُب التراث مَنْ قَتَلَ امرأةً عَمْدًا لا يُقتل بها إِجْمَاعًا، ونقل كلاماً عن «ابن أبي شيبة» دلَّس عليه فيه.

– الرَّدّ: هذا كَذِبٌ مَحْضٌ كالتَّالي:

أولاً: قول البحيري: [قال ابن أبي شيبة: «لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ إِذَا قَتَلَهَا عَمْدًا»] هذا كَذِبٌ وتَدْلِيسٌ؛ لأنَّه ليس من قول «ابن أبي شيبة» – رحمه الله -، إنَّما هو من قول «إبراهيم النَّخَعِيِّ»، ومن قول «الشَّعْبِيِّ» كما في «مُصنَّف ابن أبي شيبة» (5/410)، ط/ مكتبة الرُّشد – الرِّياض.

ثانياً: إسناد هذا القول للشَّعبي ضعيف؛ لأنَّه مروي من طريق «جابر الْجُعْفِيّ» عن «الشَّعْبِيِّ»؛ و «جابر» هذا ضعيف شيعي رافضي، بل قال الإمام «مسلم» أنَّه متروك الحديث، وقال «الجوزجاني»: كَذَّاب.

كما أنَّ نِسْبَةَ هذا القول إلى «إبراهيم النَّخَعِيِّ» كذلك لا يَصِحّ أيضًا؛ لأنَّه مروي من طريق «مُغِيرَة بن مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ» وهو ثقة مُدلِّس، لاسيَّما عن «إبراهيم النَّخَعِيِّ»، ومُغِيرَة هُنا لم يُصرِّح بالتَّحديث؛ وبِناءً على ذلك فالرِّواية هذه لا تَصِحُّ، لا عن «النَّخَعِيِّ» ولا عن «الشَّعْبِيِّ»، وليست هي من كلام «ابن أبي شيبة».

ثالثًا: رَوَى الشيخانِ1 [عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؓ، أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أَفُلاَنٌ أَوْ فُلاَنٌ، حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ «فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ، فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالحِجَارَةِ».] وهذا دليلٌ يُستدَلُّ به عُلماؤنا على قَتْل الرَّجُل بالمرأة.

والعجيب: أنَّ هذا الحديث أخرجه «ابن أبي شيبة» في «مُصنَّفه» (5/410) في نفس الصَّفحة التي فيها الأثر الذي ذَكَرَهُ البحيري، لكنَّه الكَذِب والتَّدليس يعمي ويصمّ.

رابعاً: أمَّا ادِّعاؤه أنَّ العُلماءَ أجمعوا على أنَّ الرَّجُل لا يُقْتَلُ بالمرأة؛ فكذبٌ وإفكٌ مبين، فَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الإجماعَ على عَكْسِ قول البحيري: وهو قَتْل الرَّجُل بالمرأة إذا قتلها عَمْدًا ومن هؤلاء:

– قال الإمام «الشَّافعي» – رحمه الله في كتابه «الأُمّ» (6/22): [ولم أعلم ممَّن لقيتُ مُخالفًا من أهل العِلْم في أنَّ الدَّمَيْنِ مُتكافئان بالحرية والإسلام، فإذا قَتَلَ الرَّجُلُ المرأةَ عَمْدًا قُتِلَ بِهَا، وإذا قَتَلَتْهُ قُتِلَتْ بِهِ، ولا يؤخذ مِن المرأة ولا من أوليائها شيءٌ للرَّجل إذا قُتلت به، ولا إذا قُتل بها، وهي كالرَّجُل يقتل الرجل في جميع أحكامها إذا اقتص لها أو اقتص منها، وكذلك النَّفر يقتلون المرأة والنسوة يقتلن الرَّجل.]

– قال الإمام «النَّوَوِيُّ» رحمه الله كما في «شرحه على صحيح مسلم» (4/237): [وفي هذا الحديث فوائد منها قتل الرَّجُل بالمرأة، وهو إجماعُ مَن يُعتَدّ به.] اهـ

– وقال «ابن المنذر» رحمه الله كما في «فتح الباري» (12/214): [أجمعوا على أنَّ الرَّجُل يُقتَل بالمرأة، والمرأة بالرَّجُل، إلَّا رواية عن عليّ، وعن الحسن وعطاء.] اهـ إلَّا أنَّه مِن باب الأمانة العِلْمِيَّة، هُناك مِن العُلماء مَن قال بأنَّه لا يُقتل بها، وتكون الدِّيَة بَدَلًا، إلَّا أنَّه قولٌ ضعيفٌ، مُخالِفٌ لما عليه جماهير العُلماء.


([1]) صحيح: رواه البخاري في «صحيحه» رقم (6876) / ومسلم في «صحيحه» رقم (1672).

زر الذهاب إلى الأعلى