أدعياء التنويرالشبهات والردودالمقالاتشبهات حول القرآنشبهات عقائديةشبهات وردود

اليهودَ والنَّصارى مؤمنون بنصِّ القرآن!

(14) زعم البحيري: أنَّ اليهودَ والنَّصارى مؤمنون، مُستشهدًا بقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]، وبقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17]؛ استشهد بذلك حيث فَصَلَ الله – عزَّ وجلَّ – اليهود والنَّصارى عن الذين أشركوا.

– الرَّدّ: هذا لا يُسلَّم له من عِدَّة وُجُوه كالتَّالي:

1- سبق وَبَيَّنَّا نَوعَي المُشركين من الكتابيِّين وغيرهم.

2- مِن المقاصد المُهمَّة مِن ذِكْر المُشركين بعد أهل الكتاب من الَّنصارى ألَّا يتوهَّم أحدٌ أنَّ الأمر بقتال أهل الكتاب يقتضي التَّفرُّغ لقتالهم وترك قتال المُشركين «كفار قريش».

3- ويُمكن أن يُقال كما عندنا في البلاغة – التي لا يعلم ذلك الجاهل عنها شيئًا، أنَّ هذا «إجمال بعد تفصيل»، فالله – عزَّ وجلَّ – فَصَّلَ أهل الشِّرك، فذكر اليهود والصَّابئين والنَّصارى والمجوس، ثمَّ بعد ذلك أجملهم في الذين أشركوا.

أرأيت لو قلتَ: أكلت موزًا، وبرتقالًا، وعنبًا و..، وأكلت فاكهة، فهل هذا يعني أنَّ الموز والبرتقال والعنب ليسوا من الفاكهة ؟! طبعًا كلَّا.

4- قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الروم: 4]، لا دليل فيه إطلاقًا على عَدَم شِرْك النَّصارى، والفَصْل هُنا على معانٍ منها:

  • القضاء والحُكُومة بينهم، فللكافرين النَّار، وللمؤمنين الجنة.
  • إظهار المُحقّ منهم على المُبطِل.
  • الجزاء، فيُجازي كلًّا ما يليق به، ويدخله المَحَلّ المُعَدّ له.

كما تقول مثلاً: لأفْصِلَنَّ بين المجتهد، وبين البليد، والكسول، والمهمل، وبين الفاشلين، فهل هذا يعني أنَّ المهمل والكسول والبليد ليسوا فاشلين؟! طبعًا كلَّا.

5- ولو سلَّمنا للبحيري بقوله: إنَّ الآية تدُلّ على إيمان اليهود والنَّصارى، فلا ضَير ولا مانع، إذ نسحبها على المؤمنين الأوائل منهم دون المُتأخِّرين الذين حرَّفوا وأشركوا.

6- الآية واضحة ولا إشكال فيها البتَّة، ونحن نأخذ بظاهرها أيضًا، فمَن آمن من اليهود والنَّصارى وغيرهم، إن آمنوا بالله واليوم الآخر؛ فلا خوف عليهم ولا هُم يحزنون، إلَّا أنَّه مِن لازم إيمانهم بذلك أن يُؤمنوا بما في كتابهم، ومِن لازم ذلك، أنْ يؤمنوا بالنَّبي محمد ﷺ وبشريعته، لأنَّ نبيهم بَشَّرهم بسيدنا محمد ﷺ إذ الله قال: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 6].

وإن لم يؤمنوا بذلك استحقّوا اسم الكُفْر؛ لأنَّهم بذلك يكونون آمنوا بالبعض وكفروا بالبعض وفرَّقوا بين الأنبياء، ومِن الأدِلَّة الكثيرة على أنَّ هذا كُفرٌ قول الله – عزَّ وجلَّ -: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 85 – 88].

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 150 – 152].

7- الآية ذكرت أصنافاً مُعيَّنة وهُم «الذين آمنوا، الذين هادوا، والنَّصارى، والصَّابئين»، فهل على فهم البحيري للآية- «الكُفَّار الأصليِّون» إن آمنوا بالله واليوم الآخر دُون رسالة مُعيَّنة، فهل يكونوا مؤمنين؟ فإن قال: نعم، فعليه بالدَّليل، وإن قال: لا، فقد ردّ على نفسه؛ حيث أنَّ الإيمان بالله واليوم الآخر وحدهما دون الإيمان بالرُّسُل لا يكفي، بل لابُدَّ من ذلك، وخاتمهم هو نبينا محمد ﷺ.

8- وإذا كان الكلام كما يقول، فليقل لنا ما الفرق بين مَنْ كَفَر كفرًا كُلِّيًّا – كما يزعم – وبين مَن كَفَرَ بديانته، وبين مَن كَفَرَ باليوم الآخر…، ما الفرق بينهم من حيث العذاب الأخروي؟ هل كلّهم يخلدون في النَّار؟ أم بعضهم دون بعض؟ وأيضاً ما الدَّليل على تفصيله؟

9- ثمَّ كما أنَّ آية الحجّ فصلت اليهود والنَّصارى عن المُشركين – كما زعم -، فكذلك قد فصلتهم عن المؤمنين؛ وعلى قياسه وقاعدته فهم ليسوا بمؤمنين.

10- وكما استشهد بالفَصْل على إيمان اليهود والنَّصارى، فهل سيستشهد بذلك أيضًا على إيمان المجوس والصَّابئين؟! وبذلك يكون المجوس وعُبَّاد النُّجُوم أو الملائكة مؤمنين! لأنَّ الآية فصلتهم عن المُشركين! 11- ثمَّ إنَّ القُرآن الذي فيه هذه الآية، فيه أيضًا آيات أخرى وقد سبق بيانها.

زر الذهاب إلى الأعلى