الشبهات والردودالمقالاتشبهات حول السنةشبهات وردودمكتبة الموقع

أبو عمر الباحث يكتب: هل قال ابن مسعود بترك السنة؟

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
فقد استدل أحدُ المعترضين برواية عن ابن مسعود رضي الله عنه قاصدًا بها أن يترك المسلمون كتب السنة النبوية ويأخذوا بالقرآن الكريم فقط!
فيقول:

21 02 2021 06 34 41 d8b5

وهذه هي الرواية كاملة:
عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ عِنْدَ نَاسٍ كِتَابًا يُعْجَبُونَ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى أَتَوْهُ بِهِ، فَمَحَاهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى كُتُبِ عُلَمَائِهِمْ، وَتَرَكُوا كِتَابَ رَبِّهِمْ». سنن الدارمي (1/ 419)
فكتبت ردًا عليه أقول:
أولًا: استدلالك بهذه الرواية لهذا المعنى الذي تقصده غير صحيح، ولو أصررتَ عليه سيوقعك في ورطة كبيرة!!
لأنك أتيتَ بالرواية من كتابٍ آخر غير كتابِ الله، فهذا يعني أنك أنتَ أيضًا تركتَ كتابَ الله وأخذتَ بهذه الكتب التي تعيب علينا الأخذ بها !!
وهذه الرواية التي تستدل بها موجودة في كتب السنة النبوية، فهل نأخذ بما جاء في هذا الكتب أم نتركها؟!
إنْ قلتَ يجب أن نتركها؛ فلماذا تطلب منا أن نتركها وأنت بنفسك لم تتركها وذهبت تستدل بها؟!
وإنْ قلتَ سنأخذ بهذه الكتب؛ فلماذا تعيب علينا إذا أخذنا بها؟!
ثانيًا: الرواية ليست بالمعنى الذي فهمتَه حضرتك منها، وإنما المعنى أنَّ ابنَ مسعود رضي الله عنه يَعِيبُ على أهل الكتاب الذين تركوا كتابَ اللهِ بالكُلِّيَّة، واتبعوا كُتُبَ علمائهم المخالفة لكتاب الله!
أما المسلمون فلم يفعلوا ذلك، بل يعودون لهذه الكتب (كتب السنة النبوية) لكي يفهموا كتاب ربهم بشكل صحيح.
لأن كتب السنة النبوية فيها أحاديثُ الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يشرح لنا فيها كلامَ الله وكيفية فهم معانيه والمقصود الإلهي من آيات الله.
فمثلًا أمرنا الله عز وجل في القرآن الكريم بإقامة الصلاة، فكيف نصلي؟!
لا يوجد في القرآن الكريم شرح كيفية أداء الصلاة.
ولكن إذا نظرنا في السنة النبوية الصحيحة سنجد الرسولَ صلى الله عليه وسلم يقول: [صلوا كما رأيتموني أصلي].
وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مذكورة في كتب السنة النبوية الشريفة كما نقلها لنا الصحابةُ عنه.
فنحن نحتاج لِسُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم لمعرفة كيفية أداء الصلاة، لكي نستطيع أن ننفذ أمرَ اللهِ عَزَّ وجلَّ في القرآن الكريم بإقامة الصلاة.
فهل اهتمامُ المسلمين بالكتب التي تحتوي سُنةَ نبيهم يدخل فيما يعيبه ابنُ مسعود رضي الله عنه على أهل الكتاب؟!
ثالثًا: الصحابي الجليل عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه نفسُه نقل إلينا سُنَّةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم عبر مئات الأحاديث النبوية، فهل سينقل لنا ابنُ مسعود سُنَّةَ الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في نفس الوقت ينكر علينا أن ننقلها ونعملَ بها ونتعلَّمَهَا؟! وهذا موقف صحيح لابن مسعود من نفس الكتاب يؤكد ذلك: 
عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ؟ فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ، لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}؟ فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ ﷺ قَدْ نَهَى عَنْهُ. فَقَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ؟ قَالَ: فَادْخُلِي فَانْظُرِي. فَدَخَلَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكِ مَا جَامَعْتُهَا. سنن الدارمي (3/ 1730).
رابعًا: كتابُ الله نفسُه أَمَرَ زوجاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن ينقلن إلى المسلمين ما يُتْلَى في بُيوتهن من آيات الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقال لهنَّ اللهُ سبحانه وتعالى: { واذكرن ما يُتْلَى في بيوتكن من آيات الله والحكمة }.
وآيات الله هي القرآن الكريم، والحكمة هي سُنة النبي صلى الله عليه وسلم.
خامسا: في نفس هذه الكتب يوجد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [ لَيُوشِكُ الرَّجلِ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ، اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ، حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، فهُوَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ]. سنن الدارمي (1/ 473)
فهنا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا إخبارًا مستقبليًا صادقًا عن القوم الذين يريدون أن يأخذوا بكتاب الله فقط ويتركوا سنته الشريفة المباركة!
ثم لماذا نأخذ بأثر ابن مسعود، ونترك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنها موجود في نفس الكتاب؟!
وبناء على ما سبق فليس معنى أثر ابن مسعود ما فهمته حضرتك منها على الإطلاق.

زر الذهاب إلى الأعلى